نكرر الطرفة الواردة في كتاب كليلة ودمنة التي تقول إن «الثعلب» اتفق مع الأسد على أن يخدع الحمار و«يدردقه» إلى أن يصل إلى عرين الأسد حتى يقوم الأخير بأكله لأنه حاول كثيراً أن يصطاده ولكنه في كل مرة كان «يزوغ» منه. والثعلب المكار ذهب إلى الحمار وقال له إن ملك الغابة قد اتخذ قراراً جاداً بأن يجعلك وزيراً في مملكته، وهو ينتظرك حتى تحضر لكي يعلن ذلك أمام الملأ، ولكي يقوم بتتويجك أمام القوم في هذا المنصب الخطير. والحمار صدَّق ما قاله الثعلب وذهب معه إلى بيت الأسد الذي هجم عليه هجمة قوية أدت إلى قطع ذنبه وفرَّ هارباً. والثعلب رجع مرة أخرى وأقنعه بأن الأسد قطع ذنبه فقط لكي يكون جلوسه على كرسي الملك سهلاً ومريحاً، إذ ليس من الممكن أن يجلس الحمار على الكرسي مع ذلك الذنب الطويل. وللمرة الثانية اقتنع الحمار بما قاله الثعلب وصدق الكذبة وذهب معه للأسد الذي هجم عليه وقطع أذنيه هذه المرة وهرب الحمار جارياً. والثعلب للمرة الثالثة أقنع الحمار بأن الأسد كان يريد قطع أذنيه حتى يتمكن من وضع التاج على رأسه. والحمار صدق الثعلب وذهب معه إلى حيث عرين الأسد الذي هجم عليه هذه المرة هجمة قوية وقتله وأكله. وأمريكا أرسلت لنا أمبيكي وحاولت إقناعنا بمصالحة الحركة الشعبية لتحرير السودان والتعاون معها وإعطاء الجنوبيين حق الاستفتاء والانفصال، لأن ذلك سيجلب لنا السلام والهدوء والنماء.. وصدقنا هذا الكلام المعسول الذي أضافوا إليه أنهم يلتزمون بدعمنا مالياً، وأنهم سيعملون على إسقاط الديون عن ظهورنا، وأنهم سيعملون على رفع اسمنا من كشف دول الإرهاب. ونحن صدقناهم لنجد أنفسنا وقد انفصل الجنوب واحتلت الحركة الشعبية أرضنا. ومرة أخرى أرسلت لنا أمريكا دول الغرب نفس الثعالب الإفريقية ومندوبيها الخواجات ومندوبيها من «الأفروأميركانز»، وقالوا لنا إن دول الغرب تعدكم بكل ما لذَّ وطاب فقط إجلسوا مع «ناس الإفريقية»، ونعطيكم مهلة غير قابلة للتمديد مدتها شهران، وذهبنا إلى هناك، ثم دعونا باقان واحتفلنا به ورقصنا معه على أنغام الفنان الكبير في حفل العشاء المحضور بمنزل رجل الأعمال المعروف. وقبل أن يركب باقان طائرته بنصف ساعة وقبل أن يكمل توزيع ابتساماته الصفراء، كانت جيوش الحركة الشعبية تحتل هجليج وتضرب مدن وقرى جنوب كردفان. وأخيراً أرسلوا لنا الثعالب الإفريقية ووعدونا بالمنِّ والسلوى، وأعطونا مهلة ثلاثين يوماً فقط حتى نصل معهم إلى الصفقة التي انتهت بمنح الجنوبيين كل ما طلبوه وما لم يطلبوه، مضافاً إليه حرية التملك وحرية الإقامة وحرية العمل وحرية الحركة، ومازالت أهم قضايا نزاع الحدود معلقة، وعلى رأسها المناطق المتنازع عليها وقضية أبيي. ومن المؤكد أنهم هذه المرة سوف يأكلوننا ولن نجد وقتاً مثل الممثل عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة لنقول: «مِشْ كُتَّ حَتَّأكِلْ». { كسرة: طبعاً بعد إجازة اتفاقية الحريات الأربع يمكن للجنوبيين أن يرجعوا كلهم «الأعمى شايل المكسر»، وأن يعودوا كلهم دينكا وشلك ونوير وزاندي ولاتوكا وثوكا ومورلي سواء أكان ذلك من كينيا أو يوغندا أو أية دولة من دول الجوار الإفريقي. وقد يصل تعداد سكان السودان إلى أكثر من مائة مليون خلال ثلاثة شهور فقط.. طيب يا جماعة الانفصال أصلاً كان لزومو شنو؟! { كسرة ثانية: الاتفاقيات التي تمت بين الحكومة والجنوبيين بها الكثير من الإيجابيات، فقط نحن لدينا حساسية ضد الحريات الأربع وباقان وعرمان، ولن نقبل أن يجيء عرمان تاني «يتحاوم بي جاي». ونطلب من الحكومة أن تقوم باستفتاء الشعب السوداني إذا كان سيقبل بمنح الحريات الأربع للمتمردين والخلايا النائمة من جيوش الحركة الشعبية، لأن الشعب هو الذي سيمارس الحريات أو يقاومها.