هللنا وكبّرنا واحتفلنا بالاتفاق الموقع مع دولة الجنوب في أديس أبابا يوم 27/9/2012م أكثر مما يجب، في الوقت الذي لم تفعل فيه حكومة الجنوب والحركة الشعبية الحاكمة معشار ما فعلناه من ابتهاج وفرح غامر، كأننا نلنا إحدى الحسنيين أو فزنا بجنة الفردوس ...!!وهذا من أكبر الأخطاء السياسية التي ارتكبت خلال الفترة الماضية.. بإعطاء الطرف الآخر الإحساس بأننا كنّا على الحافة لولا أن تلطّف علينا بالاتفاق معنا ...!! فقد ظهر السودان وهو دولة راسخة ذات سيادة ووطن عزيز لم تهزّه العواصف وأنواء المؤامرات والدسائس والحروب، وكأنه كان في انتظار هذا الاتفاق الذي سيحيل الأوضاع فيه من حالة المسغبة والمشقة والحرب، إلى ظلال وارفة من الطمأنينة والسلام وبطر العيش... وقبل أن يجف حبر أقلام التوقيع بادر إعلامنا الرسمي إلى استضافة أعضاء وفد حكومة الجنوب، واتصل التلفزيون القومي بعاطف كير الناطق الرسمي باسم وفد دولة الجنوب في المفاوضات، وتبجّح علينا في النشرة الرسمية من على شاشة الفضائية السودانية قبل يومين، وسارعت بعض صحفنا بنقل أحاديث لأعضاء الوفد الجنوبي، وفتحت أبوابها لشكوكهم ودعايتهم السياسية... مقابل ذاك، لم يحفل الإعلام في دولة الجنوب بهذا الاتفاق كما فعلنا نحن هنا في الخرطوم، وورد خبره في تلفزيون جنوب السودان الرسمي كخبر عادي، ولم تسخن الخطوط الهاتفية مع الخرطوم لاستضافة أعضاء في وفدنا المفاوض، ولم يتم نقل أي احتفائيات في جوبا أو غيرها من مدن الجنوب، بهذا الاتفاق تعاملوا معه بالقدر والزاوية التي يرونه من خلالها، ولم تتغير اللغة السياسية والإعلامية في دولة الجنوب لتبدو أكثر حميمية تجاهنا، كل شيء ظل كما هو، بلا تهويل ولا تضخيم ولا قفز بالرأي العام الجنوبي إلى الأعلى بسرعة الضوء في الاتجاه المعاكس... والأدهى والأمرُّ، أنه في الوقت الذي سارعت فيه السلطات الأمنية عندنا لإبعاد المعارض الجنوبي جيمس قاي واعتقال معاونيه، لم تفعل حكومة الجنوب ذلك، وانظروا كيف استغلت هذه الخطوة من جانبنا وقابلتها بطريقة انتهازية ماكرة، فقد قال د.برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام في دولة الجنوب والناطق الرسمي باسم حكومتها لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية التي يعمل فيها كادر الحركة الشعبية الشمالي مصطفى سري، قال بعد أن أثنى على هذه الخطوة من جانب الخرطوم وأشاد بها كعمل جاد: « ننفي وجود قوات تابعة للحركة الشعبية قطاع الشمال في بلادنا وليس هناك وجود أي معارضة مسلحة بأراضينا ولن نسمح لها بالانطلاق وسنعمل للمساعدة في حل قضية المنطقتين..» تقول حكومة الجنوب ذلك، والجميع يعرف وهم يعرفون بالطبع، أن كل المعارضة السودانية المسلحة توجد في جوبا وهي التي صنعتها، ولا يمكن إنكار علاقة الفرقتين التاسعة والعاشرة التي تحارب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالجيش الشعبي، وهو جيش دولة الجنوب، وكلاهما فرقتان تابعتان له ويوجد في صفوفيهما جنود من قبائل دولة الجنوب... ولا يمكن لجوبا أن تنكر بهذه السهولة وتتملص من دعمها للحرب في هاتين الولايتين وصلتها بقطاع الشمال وقياداته وقواته وتصلهم رواتبهم ودعمهم وتسليحهم وتشوينهم من دولة الجنوب، لا يمكن لجوبا أن تنكر صناعتها ورعايتها للجبهة الثورية التي تضم قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة ..!! كما لا يمكن لجوبا أن تكذب علانية هكذا فقد شاركت قوات حركة العدل والمساواة وحركة مني أركو مناوي في الهجوم على منطقة هجليج وقاتلت مع الجيش الشعبي في احتلالها في أبريل الماضي ..!! وتكتظ فنادق جوبا القليلة، بعديد من قيادات الحركات المتمردة في دارفور، وتُنسق لهم فيها اللقاءات مع الأمريكيين والإسرائيليين، وتوجد معسكراتهم وقواتهم في مناطق شمال وغرب بحر الغزال وفي مراكز تدريب في غرب الإستوائية وفي ولاية الوحدة. يجب على حكومتنا وهي لا تزال نشوى بسكرة الاتفاقية بثلاثياتها المختلفة، أن تعرف مع من تتعامل ومن هو عدوها وكيف يفكِّر ولماذا تعامل بهذه الكيفية مع الاتفاقية وتوقيعها...؟، ولماذا لم تقم الاحتفالات وترقص شوارع جوبا للحدث كما فعلنا هنا؟؟؟ -------- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.