تمر على البلاد الذكرى الثالثة والعشرون لقوات الدفاع الشعبي باعتبارها مدرسة للتربية الجهادية، ولتخرج جيل الفداء والتضحية، ولتكون سنداً للقوات المسلحة تشاركها حماية الثغور وتذود معها عن الأرض والعرض وترسي دعائم الجهاد. جاء الدفاع الشعبي تجربة رائدة قدمتها الانقاذ، ومن خلالها حشدت طاقات الأمة وعملت على إعلاء قيم الجهاد والاستشهاد، فأحيت في الوجدان السوداني معاني موروثة في تاريخنا تحدث عن الإقدام والتضحية. جاء الدفاع الشعبى مؤسسة تلبي أشواق الصادقين الباحثين عن الشهادة والرباط، فأحيت قيم كادت تندثر، وقدمت نماذج متفردة.. كتائب تترى وقوافل وأعراس الشهداء ونفرات العزة والكرامة.. وكلها مفردات جاء بها الدفاع الشعبي لتدخل في قاموسنا اللغوي. جاء الدفاع الشعبي قبل ثلاثة وعشرين عاماً ليجد البلاد تنتقص من أطرافها، والتمرد يعبث بمقدراتها، وأصاب الضعف عزائم الرجال، فكان الدفاع الشعبي هو الترياق مع قواته المسلحة الباسلة لصناعة النصر وتحقيق التقدم، ولرفع رايات الحق وإجهاض مشروع الباطل. جاء الدفاع الشعبي مشاركاً في مسارح العمليات، ومقدماً الشهداء والجرحى من كل شرائح المجتمع، الدعاة والعلماء والأطباء والطلاب والشباب والزراع والعمال والتجار، وحتى المرأة كان لها دور في تلك المسيرة القاصدة. ولم يقتصر دوره الدفاع الشعبي على القتال فحسب، ولكن اضطلع بأدوار أخرى في تنمية وسلام السودان، فأسهم في تأمين خطوط البترول وحراسة المنشآت والمرافق الاستراتيجية، وعمل في الإسناد المدني في القوافل الطبية والتربوية والثقافية، وعمل المجاهدون في فتح فصول محو الأمية في المناطق المتأثرة بالحرب، وعمل أطباؤه في علاج المواطنين عبر العيادات المجانية، وكان له دور في تأمين معسكرات النازحين وفي الكوارث الطبيعية مثل السيول والفيضانات، وفي عمليات إصحاح البيئة وتأمين المشروعات الزراعية وتأمين الطرق القومية ومكافحة التهريب والنهب المسلح، وغيرها من المهام التي توكل إليه. جاء الدفاع الشعبي ببرنامج متكامل لنهضة المجتمع وتحريك الناس نحو رفعة ونهضة البلاد، فكانت مناشطه جامعة، فجمع الكساء للعائدين والنازحين من الحرب وقدم برامج تربوية في السجون ورياض الأطفال ودور الأيتام ودور المؤمنات والخلاوي والزوايا، ونشر فقه الجهاد والرباط، وعمل في برامج الزواج الجماعي والغرس الطيب للطالب. وجاء الدفاع الشعبي بفلسفة جديدة في إحداث تحول في المجتمع، وذلك من خلال دراسة الابعاد الثقافية والسياسية لمكونات وطبيعة المجتمع السوداني، وبالفعل استطاع ببرنامجه وانتشاره على في كل انحاء السودان أن يحدث عملية التغيير الاجتماعي وإثراء الوجدان بقيم وادب الجهاد. وتجربة الدفاع الشعبي يجيء تميزها في تقديمها رؤية واستراتيجية للولوج في المجتمع للقضاء على كل مظاهر الجهل والامية، ببث الوعي والتبصير بالقضايا والتحديات التي تواجه البلاد. فعمل الدفاع الشعبي على ترسيخ مفهوم السلام والتعايش السلمي وتقوية النسيج الاجتماعي، وذلك من خلال انتشاره في المناطق التى تأثرت بالحرب، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لهم ودمجهم في المجتمع، واسهم مع غيره من المنظمات في العمل الطوعي والانساني وإبعاده عن المكاسب الذاتية دون تمييز لعرق أو لون أو دين. جاء الدفاع الشعبي فتنادى إلى صفوفه الرجال والنساء والقيادات ودخلوا معسكرات التدريب، فارتفعت في الميادين والساحات اصوات التكبير والتهليل «الجكة دي لله، والصلع دي لله، وكل شي لله»، ثم جاء لواء الاهوال كأول كتيبة امها خيار من خيار، ثم لواء عبيد ختم ولواء الخرساء وكتيبة ابو دجانة، وكلما سقط الشهيد مد المشاعل للشهيد الآخر، فكانت الألوية باسماء الشهداء. الشهيد محمد أحمد عمر والشهيد عبد السلام والشهيد الزبير محمد صالح، والشهداء احمد البشير والشهيد عمر الكرار والشهيد ابراهيم شمس الدين، ولواء مسك الختام والقعقاع والصادقين والابرار والوعد الحق، اكثر من اربعين لواءً كلها رايات خرج تحتها مجاهدون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وقدموا خلال المعارك أروع وأعظم المشاهد البطولية لمجاهدات أبناء السودان، وهم يحمون العقيدة والوطن، فشهدوا المعارك الكبرى في الاستوائية بكل متحركاتها في سندرو وجبل ملح والميل اربعين، وفى الشرق في الرساي وطوكر، وفي كردفان في تلودي ولقاوة والجبال في العاديات ضبحاً والمغيرات صبحاً، وفي النيل الأزرق في الكرمك وقيسان، وفي دارفور كان الفرسان يحققون النصر على عصابات التمرد والنهب المسلح. وفي كل المعارك التي خاضتها القوات المسلحة كانت كتائب الدفاع الشعبي تعمل تحت إمرتها. ثلاثة وعشرون عاماً والدفاع الشعبي ظل يعطي الوطن تحت قيادة رجال أشداء أصحاب قضية أفنوا زهرة شبابهم، حتى صار الدفاع الشعبي رقماً لا يمكن تجاوزه، نذكر منهم على سبيل المثال من المؤسسين المجاهد عمر عبد المعروف، والمجاهد خليل عبد الله، والمجاهد عبد القادر محمد زين، والمجاهد علي الروى، والمجاهد علي احمد كرتي، والمجاهد كمال ابراهيم، والمجاهد عبد الله الجيلي، ومن العسكريين العميد عبد المجيد محمود، والعميد محمد الحسن الفاضل، والعميد الشهيد عمر الامين، واللواء احمد عباس، واللواء عبد العزيز محمد، واللواء جمال الدين طه. وكان هناك من وضعوا بصماتهم في هذا الصرح الجهادي، منهم المجاهد محمد بخيت المفتي، والمجاهد عبد الرحمن محمد موسى، والمجاهد عبد العال خليل، والمجاهد عادل السماني، وغيرهم من الأخيار الذين عملوا في كل ولايات السودان.. نسأل الله أن يتقبلهم.