جاء ذكرها في القرآن الكريم أكثر من عشرين مرة في عدد من السور، جاءت ترهيباً وجاءت ترغيباً، وجاءت أمنًا غذائيًا عندما خاطب المولى عز وجل السيدة مريم قائلاً «وهُزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً».إنها شجرة مباركة بارك الله في غرسها وفي ثمارها وفي كل مكوناتها التي تعود على الإنسان بفوائد جمة.. ورسولنا الكريم وصّى بإكرامها «أكرموا عمتكم النخلة».. ارتبطت تمورها بحياة الإنسان، لا يجوع من أصبح وفي بيته تمر. أشجار النخيل أشجار جميلة الطلع لا تستطيع أن تمر بها دون النظر إليها خاصة لو كانت حبلى بثمارها.. يتفاءل بها الناس وترتبط بحياتهم فرحاً وكرهاً فتجدهم يزينون موكب العرسان ومختلف الأفراح بجريدها وسعفها وتجدها في مداخل سرادق الأفراح والأعراس ويحملها الصبية في مقدمة المواكب.. كما أنها توضع على قبر عزيز فارق أهله تيمناً بمكانة النخلة عند المولى عز وجل ووداعاً لمفارق ذهب لرحمة مولاه. وثمار النخلة هي من يبدأ بها الصائم إفطاره فلا تخلو مائدة مهما كان حال صاحبها فقراً أو غنىً من التمر وهي تتميز بما تحتويه من مواد غذائية ومادة سكرية سريعة الهضم يكون الصائم في حاجة شديدة لها بعد يوم من الصيام أصاب صاحبه برهق وضعف، والتمور بأشكالها تمراً ورطباً حاضرة في مائدة إفطار رمضان على امتداد العالم اتفق الناس على حضورها دون عقد بينهم. والتمر تجده في مناسبات عقد القران يقدَّم للناس على طبق محفل ومنمق أثناء مراسم العقد تفاؤلاً ببركتها فما أطيب المناسبات عند الأسر من عقد قران لابنة وابن. الحديث عن النخلة طويل جميل بديع رائع مهما أسهبنا فيه خاصة من أناس عاشوا تحت ظلها وتابعوا مراحل طلعها حتى أصبح تمرًا وقد أكرمني الله أن أولد وسط بستان كبير جداً من النخيل وكان مولدي في موسم لقاحها وأول ما وقع عليه نظري جريدها الذي يهبهب أمام ناظري وفُطمت على ثمارها في موسم حصادها وكم أنا سعيد بذلك وكم كانت حياتنا ومرتع صبانا جمالاً بين أشجار النخيل على جمالها قبل أن نأتي في زمن مبكر إلى المدينة الكالح طلعها. الاحتفال بيوم النخيل درجت جمعية فلاحة ورعاية النخيل السودانية على إقامته كل عام، ويحضر إليه مزارعو النخيل من الشمال ومحبو النخيل من كل مكان والمهتمون بزراعته ورعايته في ولاية الخرطوم وهذا الاحتفال الكبير يقوم تحت بستان النخيل في ساحة قاعة الصداقة العظيمة وتنظمه جمعية فلاحة ورعاية النخيل السودانية برئاسة دكتور قنيف ويشرفه هذا العام النائب الأول الشيخ علي عثمان. ومعرض النخيل الذي يقام كل عام في ذات الموقع ويستمر لعدة أيام يتنافس فيه المنتجون بأجود أنواع التمور التي لا يجدها الناس في الأسواق فهي من الأشجار النادرة التي تكون فلتة في الحقل يستأثر بها صاحبها له ولأهله ولكن يجدها الزائر لمعرض التمور في المنافسة بين المزارعين، ومتاح للزائر الأكل منها تكريماً وضيافة وبالشراء. معرض التمور مجال لمحاضرات وندوات تتحدث عن مشكلات النخيل والأمراض التي تصيب أشجارها وكيفية العناية والعلاج والوقاية منها. وفي المعرض مجال لثقافة عالية عن شجرة مباركة ترتبط بحياة كل الناس ويسعى الجميع لشراء ثمارها. التمر كما أشرنا في صدر هذا المقال حاضر دائم في مائدة إفطار رمضان ولكن هذا العام تجاوز رمضان وقت حصاده الذي يبدأ هذه الأيام ما عدا الرطب المبكر من المدني والمشرق وود لقاي وودخطيب كان متوفرًا مع التمر من الموسم السابق «لعام 2010» وحتى الرطب العام القادم لن يكون في الغالب متاحًا وسيعتمد الناس في إفطارهم في رمضان على التمر من حصاد هذا الموسم، وفي الغالب يكون جافاً وربما يفقد بعض خصائصه والله أعلم. التمور عند حصادها تتميز بنكهة لطيفة وطعم مميز وسهولة في المضغ وتفقد كل هذه المميزات بعد جفافها إلا بعد معالجتها بالترطيب وذلك ما يميز الرطب من التمر الذي كان في متناول السيدة مريم. اعتدت أن أحصل كل عام على بعض من أجود أنواع التمور وما يسمى «بالكرش» النادر مثل كرشة عبدالقيوم وكرشة أبنعوف وأقوم بحفظها وهي رطبة في أكياس صغيرة ونحفظها في الثلاجة أو الديب فريزر وهذه الطريقة من اهتمامات زوجتي ويصبح لدينا تمر رطب طول العام وقتما نُخرج منه للأكل نجده محتفظًا بمميزات الأرطاب وطعمها وحلاوتها. فجرِّب أخي القارئ الكريم هذه الطريقة فلن تجد تمرًا جديدًا في رمضان القادم. إذاً فلنذهب جميعاً يومًا إلى معرض التمور بقاعة الصداقة لنحتفل بعمتنا النخلة ونأكل من ثمارها ونشتري منا ونكسب معرفة وعلمًا عن أسرار النخيل وذلك في إطار البرنامج السنوي الذي تقيمه الجمعية وهذا العام هو المهرجان الرابع وأطلق عليه «يوم النخيل العربي» ويحضره السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه الذي سيقام بقاعة الصداقة صباح الثلاثاء 20/9/2011 وحتى الخميس 22/9 ويشتمل البرنامج على معارض وندوات محاضرات علمية عن النخيل وزيارات لمزارع نموذجية وسيختم المهرجان بليلة النخيل الكبرى مع نخبة من شعراء وفناني أهل النخيل. وأنت مدعو لمرافقة صاحب التمور وهو كصاحب المسك في مرافقته. التحية لأهلنا في الشمال وهم يحتفلون بأعياد الحصاد.