وحجاج بيت الله يستعدون للوقوف على صعيد عرفة وقف إلى جانبي أحد الزملاء وقال لي «العيد دا بقي ما عنده طعم» فقلت له كل شيء يتغيّر حتى فرحة العيد تغيرت، فأطفال الألفية الجديدة لهم احتفال خاص بالعيد عكس احتفالنا ونحن صغار، فضحك وقال لي «أيام وتعدي». ويبدو أن كل شيء تغيّر في هذا الزمان وأذكر ونحن صغاراً كنا نلهو في الشوارع حتى مغيب الشمس ثم نستعد بعد ذلك لاصطياد «الجراد» بأيدينا ونلهو به وطورنا فكرة الاصطياد هذه إلى بعض الأسلحة «السلمية» التي تعيننا على اصطياد الجراد، وكمية هذه الحشرة في ذلك الوقت إن دل على شي إنما يدل على الأسراب الكثيرة التي كانت تقتحم الزرع في الكثير من ولايات السودان مما يقلل الإنتاج ويهدر الأموال، ويوم الخميس المنصرم رأينا كميات من الجراد ولكنها لا تقوى على التحليق في الفضاء لتتناول غذاءها الدسم من الزرع الأخضر وإنما تصارع الموت بعد أن أبادتها طائرات وقاية النباتات، وكمية الجراد التي شاهدناها في أطراف الخرطوم وأجزاء من الولاية الشمالية كانت كفيلة بأن تجعل الدولة تخسر الكثير من الأموال التي تجنيها من صادر البرسيم الذي زرع في تلك البقاع بمساحات كبيرة. وكانت تلك الزيارة فرصة طيبة لنقف ومعي مجموعة من الزملاء الأعزاء على المجهود الخرافي الذي يبذله الجنود المجهولون في العملية الزراعية بإدارة وقاية النباتات وعلى رأسهم الأخ خضر جبريل مدير إدارة وقاية النباتات بوزارة الزراعة، وكم كانت دهشتنا بالكميات المهولة التي لم تجد سوى ظلال الأشجار وتربة البرسيم الرطبة لتختم فيها حياتها بعد رحلة طويلة من السفر حاولت من خلالها القضاء على الأخضر واليابس في مشاريع السودان المختلفة، إلا أنها وجدت من يقضي عليها من جنود وقاية النباتات الذين يعملون في صمت دون ضوضاء أو فلاشات الكاميرات. إن العمل الذي تقوم بها إدارة وقاية النباتات بمختلف جنودها يستحق أن يعكس على الأقل إعلامياً حتى يأخذ كل ذي حق حقه خاصة وأن هذا العمل يتم دون تكلفة مالية تفرض على المزارعين وإنما فقط من أجل زيادة الإنتاج الزراعي للسودان والمحافظة على المخزون الغذائي للسودان وتصدير غيره من منتجات زراعية ما كان لها أن تصبح صادر لولا العمل الضخم الذي يقوم به مهندسو وعمال وقاية النباتات من رش بالطائرات وغيره بالوسائل الأخرى في المشاريع التي تجاورها كثافة سكانية، فداعبت أحد المرافقين وقلت له الآن أدركت لماذا أصبحنا لا نرى الجراد في أحياء الخرطوم.