بوفاته التي أعلنت أمس، يكون جيل من أكثر أجيال السودان إثارة للجدل قد شارف على الرحيل، وهو جيل ملأ الدنيا وشغل الناس، ألا وهو جيل أوائل الملتحقين بالمدارس الثانوية وتحديداً مدرسة حنتوب الثانوية. ولد الفقيد في العام 1930م، وتلقى تعليماً نظامياً ودينياً في آن واحد وهو الأمر الذي جعله يزاوج بين الأصالة والمعاصرة في حياته وسلوكه وحتى لغته. التحق الفقيد بمدرسة حنتوب الثانوية في يوليو من العام 1946م مع مجموعة ضمت شخصيات شهيرة، كان لها أبلغ التأثير في مجمل الحياة السودانية، منهم الرئيس الأسبق جعفر نميري، ود. حسن عبد الله الترابي، والرياضي الإداري الطيب عبد الله، والصيرفي أحمد عبد الرحمن الشيخ، والرياضي لاعب الهلال الأسبق عامر حسن، والمهندس المدني كذلك ووزير المالية الأسبق إبراهيم منعم منصور، والشاعر والأديب مصطفى عوض الكريم، والمهندس ووزير الصناعة الأسبق موسى عوض بلال، والمعلم والإداري الأسبق أبو بكر عثمان محمد صالح. وسط هذه الأسماء كان خلف الله الرشيد أحد دعامات المدرسة في منشط الأدب والإطلاع، فاشتهر بحنتوب الثانوية بريادته ليوم الجمعية الأدبية، الشيء الذي جعل منه في العام 1951م كاتباً قصصياً بصحيفة (الأيام)، فكان أن نُشرت له سبع قصص بها. رغماً عن انشغاله بحرفة الأدب، إلا أن الأقدار أرادت له أن يدرس القانون بكلية الخرطوم الجامعية، وهو من ضمن أول دفعة يتم قبولها بهذه الكلية. في أغسطس من العام 1954م، كان تخرجه فيها لينضم لكوكبة القانونيين في القضاء الواقف، الذي لم يستمر فيه طويلاً، ليكون عمله بالقضاء الجالس بعد سنوات قليلة من عمله كمحامٍ شهدت له أيام عمله كقاضٍ الكثير من المواقف القيمة الدالة على استقامته وعفته، ومنها قضية تهريب الأموال لليونان في العام 1968م وغيرها. حين اختياره رئيساً للقضاء في نهايات السبعينات، كان علماً من أعلام الوقوف مع الحق زهقاً للباطل، فأحبه العاملون بالقضاء، وشهد بهذا المعارضون للسلطة قبل الموالين لها. ترأس الفقيد عدداً من لجان تعديل القوانين، فكان حجة من حجج الإجراءات والقوانين حتى أضحى مرجعاً من مراجع تلك اللجان. من ضمن مساهماته الوطنية، ترؤسه للجنة وضع دستور الدولة للعام 1998م الذي تم وفق رهق متواصل له حتى أنجز ما كُلف به. المرحوم ظل متصفاً بقيمة الوفاء لمعارفه وأهله وجيرانه وزملائه حتى معارضيه في الفكر والمنهج، فكان حالة من حالات السودان العظيم بخيره وتسامحه وقيمه الجميلة والنبيلة. المدير العام للصحيفة ورئيس التحرير والعاملون بها حين ينعونه ويودعونه، إنما يودعون سودانياً أصيلاً من طراز النماذج البشرية النادرة، سلوكاً وأخلاقاً وعلماً، وقبل ذلك إنساناً قدم لبلاده العلم النافع، والعقل الراجح، والقلب الطيب. إنا لله وإنا إليه راجعون.