في أول مؤتمر صحفي له بعد انتخابه أميناً عاماً للحركة الإسلامية، أجاب الشيخ الزبير أحمد الحسن عن سؤال حول التقارب مع المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي بطريقة ليست مناسبة، وكأن المقصود التقارب مع الأنصار بزعامة الإمام الصادق المهدي، أو الختمية بزعامة الميرغني، أو التيارات السلفية وأكبرها تيار الشيخ أبو زيد محمد حمزة. وقد كانت إجابته هي إن التقارب مع المؤتمر الشعبي قائم، وإنهم دعاة له وللوحدة دائماً، لأن الأصول الفكرية للحركة الإسلامية والآخرين واحدة على حد قوله. ثم قال في ذات السياق إن الشعور بضرورة ذلك وبذل الجهد والرغبة لا بد من توفرها عند كل الأطراف. إن السيد الأمين العام الجديد للحركة الإسلامية ينتظر من المؤتمر الشعبي الشعور بضرورة «العودة» من تحالف عرمان وأبو عيسى إلى الحركة الإسلامية، وكأنه لم يفهم حسابات الترابي الذي أيّد إسقاط حكم عبود بعد أن طرد الأخير من الجنوب أثناء حكمه الجواسيس الأجانب الذين كانوا يدعمون التمرد ويتخفون تحت ثياب التبشير، ولم يتوافق الترابي مع جعفر نميري بعد أن طبق الشريعة الإسلامية بقرار شجاع، وها هو يحلم الآن بإسقاط هذه الحكومة التي تقودها الحركة الإسلامية، وتقول هذه الحركة على لسان بروف إبراهيم أحمد عمر إن البشير هو رئيس قيادتها العليا. إذن حسابات الترابي هي الطموح الشخصية وليس خدمة أهداف الحركة الإسلامية، حيث إنه يغرد دائماً خارج سربها، وليعلم السيد الأمين العام الجديد للحركة الإسلامية الشيخ الزبير أن التقارب مع الترابي يبقى ثمنه غالياً، وليس هناك من له استعداد لدفعه، لا البشير ولا علي عثمان ولا دكتور نافع. إن هذا الثمن هو أن يعود إلى موقعه القديم على الأقل وهو رئيس البرلمان، لكن للأسف فإن البرلمان في عهد البشير لم يعد معيناً كما كان في السابق، وقصة خسران الترابي دائماً للتنافس الانتخابي معروفة من عام 1968م إلى عام 1986م. ولا ينبغي أن يترأس برلمان «غير معيّن» كالذي كان يترأسه في عقد التسعينيات. ودعونا هنا نقرأ ما كتبه الصحفي الكبير الشهيد بإذن الله الأستاذ محمد طه محمد أحمد، حيث كتب: «كانت الحركة الإسلامية غائبة عن الوعي حينما سلمّت زمام أمرها للترابي ووظفها لإسقاط العسكريين الذين ركزوا كل جهودهم لسحق تمرد الجنوب يقصد نظام الفريق عبود وقد أعاد التاريخ نفسه، وبعد انشقاق الترابي عام 1999م عاد ليضع يده في يد قرنق، وعاد ليشعل فتنة دارفور عبر خليل إبراهيم وعلي الحاج وتور الخلاء وأبو بكر حامد وسليمان جاموس» انتهى والآن وبعد وفاة صاحب هذه الكلمات بستة أعوام، فإن على الحاج النائب الأوّل للترابي يجلس مع عرمان الذي يُعتبر أسوأ من متمردي دارفور. فأولئك ربما يشعرون بغبن ولا يريدون الإفصاح عن تفاصيله بصراحة ووضوح. لكن لماذا يؤيد عرمان من خلال قطاع الشمال قتل أبناء النوبة نساءً وأطفالاً وشيوخاً بالكاتيوشا؟! ماذا فعلوا له؟! هل أيضاً همشوه؟! أم همشوا حزبه الشيوعي الذي فشل في كسب عضوية من أبناء النوبة؟! والأهم في الأمر هو أن السيد الأمين العام للحركة الإسلامية لم يختر الرد المناسب على السؤال الذي طرح في مؤتمره الصحفي، فقد تحدّث في سياق الإجابة فقط عن ضرورة الشعور بذلك، وعن بذل الجهد والرغبة، لكنه لم يتحدّث عن دفع الاستحقاقات التي تتطلبها الحركة الإسلامية وهي الابتعاد عن عرمان وعقار والحلو وحركات دارفور المتمردة، لكي يتمهّد الطريق للتقارب. ترى هل يمكن أن يوافق حزب الترابي على التوبة والأوبة من عرمان وأبو عيسى وعقار وكل الجبهة الثورية باعتبار ذلك دفع استحقاق للتقارب الذي ينشده شيخ الزبير؟! إن الحركة الإسلامية وهي في مرحلة انتخابية جديدة تحتاج إلى أن تكون موقفاً عن حزب الترابي بطريقة تحفظ عزتها وكرامتها وهيبتها.