كثيرون هم أولئك السودانيين الذين ابتلعتهم المهاجر سنين عددا وجرت دماء الغربة في أوصالهم فتشبّعوا بعبق التجربة وعطرها كسبًا وبراحًا ورفاهية ومعيشة هنية وآخرون شربوا من كاساتها علقمًا وحرمانًا وعزلة وحصدوا سراب السنين فضاعت أسرهم ثم ضاع حق الوطن وهم في غفلة من أمرهم، فالتجارب الحقيقية هي التي يحصد ثمارها الوطن الكبير قبل حدود الأسرة ورغم أن المهاجر تأخذ من المغترب كل الجهد وكل الحصاد إلا أن هناك من أخلصوا للوطن واستقطعوا من خاصتهم إلى الحق العام والسودانيين بمنطقة جدة يعرفون تمامًا أن هناك رموزًا وطنية واجتماعية عركتها التجربة ونحن هنا لا نتجاوز أخونا أو شيخ العرب محمد الحسن الهواري جلسنا إليه بمكتبه عبر هذه الزاوية نلقي بعض الأضواء على تجربته وحصاده في المهاجر.. ٭٭ أخ هواري بحكم تجربتك الطويلة مع الغربة بالمملكة كيف تبدو لك جالية مكة؟ الجالية السودانية في المنطقة الغربية وخاصة مدينة جدة كانت من أميز الجاليات على مدار (36) سنة وهي عمر الفترة التي قضيناها في المهجر بالمملكة فكانت هي الأنموذج على كافة دول العالم من حيث العددية، وكان يتمثل فيها كل أهل السودان بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية والقبلية، وكنا على كلمة سواء ففي كل الواجبات كان هؤلاء السودانيون يتكاتفون سواء كان من أجل الوطن أو المغتربين أو من أجل المرضى أو حتى المعدمين أو لكوارث البلد كله فكانوا هم على وحدة لم يتكالبوا وراء مكسب أو منصب وكل همهم أن الرجل الأنسب يباركه كل أعضاء الجالية بروح نظيفة ووطنية مجردة، ولكن للأسف الشديد انتهت دورة الجالية (2007) بالمنطقة الغربية، وكان من المفترض أن تجدد لتبدأ الدورة الجديدة، وللأسف ظلت في شقاقات ومشكلات وفي أشياء لا تشبه أهل السودان لا قيمنا ولا موروثاتنا والأساس في الجالية أنها عمل طوعي وخصمًا على مالك وزمنك وجهدك ولذلك وضع الجالية الآن خلافات ما بعدها خلافات وكل شخص متمترس في موقعه وفي موقفه، وأنا هنا اتساءل لماذا لا تتاح الفرصة للآخرين وللشباب فهناك كفاءات عديدة يمكنها إدارة شأن الجالية بقدرات عالية وكل من يأتي وهو فاجر في الخصوم فهو لن يفيد الجالية في شيء ولا بد من أصحاب الخلق الحسن من الذين يجمعون الناس لا يفرقونهم فهؤلاء حبابهم في الجالية ولا نريد أصحاب الأحقاد. ٭٭ ما الذي حدث ومن أين جاءت مشكلات الجالية؟ هذا السرطان الذي تعاني منه الجالية الآن جاء بعد (2007) مع بداية الانشقاقات والتكتلات وذلك بسبب التكالب على المناصب، ولكن هناك أيضًا أناس يدفعون من أموالهم ويضحون بوقتهم من أجل الجالية وأنا هنا أدعو كل الذين يتكالبون على المناصب أن يسقطوا كل معايير الجهوية والقبيلة والعصبية والحزبية على أن يكون الدخول إلى الجالية عبر عباءة أهل السودان. ٭٭ إذن مشكلة الجالية في التغيير والتجديد؟ أنا من أنصار الدماء الجديدة، أما الإخوة القدامى أدعوهم إلى أن يترجلوا وأن يكتفوا بالمناصب الاستشارية أو الرئاسة الفخرية حتى لا يكون هناك توريث في مناصب الجالية. ٭٭ ما هي الجهة المعنية تحديدًا بإصلاح هذا الواقع؟ طبعا السفارة أو القنصلية هي جهة دبلوماسية إشرافية وليس إجباريًا وهي دومًا تدعو إلى التوحد أو التوافق من أجل تكوين الجالية فمثلاً عندما انتهت دورة (2007) أنا كنت رئيسًا للجنة الوفاق والصلح بين المختلفين فقمنا بعدة جولات على مستوى المناطق والروابط وسلمنا القنصل العام الأسبق كل الآراء والمقترحات وبكل تفاصيلها وللأسف ما فيش فائدة لأن هناك مجموعات متمترسة ومتعنصرة ولها مصالحها وأنا في العمل العام أكره العنصرية والحزبية والولاءات السياسية، وكان ينبغي أن يحتفظ كل شخص بولائه السياسي وندخل الجالية بقلوب نظيفة وأهداف نبيلة وقومية مجردة، ولكن للأسف الوضع الحالي غير مشرف. ٭٭ أين جهاز المغتربين من كل ذلك؟ جهاز المغتربين أوفد بعض الأفراد من أجل تسوية هذه المشكلات ولكنهم لم يتوصلوا إلى حلول لأنه لم يصدر أي قرار من الجهاز حتى الآن وأتوقع في الفترة القادمة أن يكون لجهاز المغتربين دور واضح لأن جالية المنطقة الغربية تعتبر أكبر جالية في العالم، ولها تجارب ثرة وأنا كنت رئيس آخر لجنة قومية لدعم متأثري السيول والأمطار فقمنا بشحن (36) طنًا من الخيرين من السعودية وقمت بدوري بتسليمها إلى وزير الداخلية آنذاك الزبير بشير طه في الخرطوم، وقبل ذلك دعمنا فيضانات كسلا والشمالية وغيرها من الكوارث كما قام القنصل بتسليم دعمنا لهجليج.. ولكننا الآن في حاجة إلى إعادة هيكلة الجالية وأن يتنازل الآخرون للآخرين. ٭٭ الأخ هواري هنالك بعض الممارسات أو الظواهر السالبة التي شوَّهت سمعة السودان خصوصًا في ما يسمى بالكرنتينة وكيلو ثمانية كيف تنظر لها كمغترب قديم؟ شكرًا على هذا السؤال أولاً أنت قضيت معنا هنا فترة في جدة ورأيت بأم عينك مثل هذه الأشياء وما يحدث الآن شي مؤسف يسيء للسودانيين بعد أن كنا أنموذجًا للمغتربين ويضرب بنا المثل في التعامل، وهناك سلبيات لا تشبهنا كسودانيين وأصبحت تشاهد على العلن حيث كثرت أعداد المفسدين وأرجو أن نحافظ على القيّم السودانية والتبليغ عن أي ممارسات فاسدة للسلطات أو الجهات المعنية ودون أي مجاملة لأن هذه سمعة السودان. ٭٭ من خلال تجربتك الطويلة بالمملكة العربية السعودية كيف بنيت هذه العلاقات وما هي المكاسب التي حققتها وجنى ثمارها الآخرون من السودانيين؟ أولاً أخي هاشم أنا دخلت هذه البلد (7/7/1977) ولكني تحركت مع آخرين بهمة، وقمنا بكثير من الأعمال والمهام باسم الجالية السودانية وكنا نستقبل رؤساء ووزراء ورموز وزعماء قبائل ووفود سودانية أخرى بكافة مستوياتها وتكويناتها المهنية وما زلنا نحافظ على هذا الدور، وقد استفدنا كثيرًا في علاقاتنا مع الإخوة السعوديين، وتجربتي أنا عندما كانت هناك مجاعة في كردفان أرسلنا حوالى (30) طنًا من الأدوية لأن البلاد كانت في حاجة لها. ٭٭ ما هي رسالتك للإخوة في قيادة الجالية في ظل هذه الأجواء؟ أقول لهم تكاتفوا وكونوا على قلب رجل واحد والعمل من أجل السودان الوطن وإعلاء الروح الوطنية، وتناسي كل الخلافات لأننا الآن نلاحظ فجورًا في الخصومة فهذا عمل طوعي لماذا الصراع لا بد أن نكون قدوة للآخرين فالرجال هناك في خط النار وكرري تشهد علينا.