إن جيت بلاد تلقى فيها النيل بيلمع في الظلام؛ زي سيف مرصع بالنجوم من غير نظام؛ تلك هي بلادي «أعز مكان» كما ردَّد شاعرُنا أمدَّه اللهُ بالصحة والعافية سيف الدين الدسوقي وزاد ترديده عشقًا أبدياً في أم درمان: وركعتُ أقِّبلُ أم درمانْ هذي العاصمةُ الأنثى أهواها مذ كنتُ غراماً في عينيْ أمي وأبي وحملتُ الحبَّ معي بدمي.. في رحلة هذا العمرِ... .. وأحْمِلُهُ حتى ألقى ربي.. وشاركه العشق متغنيًا الشاعر «عمر البنا»: متى أرجع لأ م در واعودا؛ أشوف نعيم دنيتي وسعودا.. ونتساءل هل تناهى إلى أسماعنا أو قرأنا مؤخراً إحساساً يماثل قوة هذا الإحساس بالوطن؟!! .. إن الواقع يقلقنا كثيرًا في ما تبقى للأوطان من حب ووفاء في وجدان الأبناء مما يبدو في مجريات الأيام والأحداث التي تخز جسد الوطن والتي تمتص موارده وتبعثر أرصدته وتُستغل فيها المناصب والمواقع وبشكل لاينبئ بذرَّة حب للوطن تتفوق على حب النفس.. تجدنا نلحّ في أن نحيي ما سبق أن طُرح لأجل منهج «للتربية الوطنية» يدرَّس في مدارسنا يصاحبه «فعل» حقيقي يُنعش البلاد والعباد.. وأن يكون التعاطي مع المنهج بشكل أكثر حيوية وجاذبية وتنوع في التناول لكي يسري فينا سلساً محبَّباً مجاباً، وأن يأخذ صفة الإلزام أحيانًا ويدخل في أحكام المخالفات والغرامات كل ما يمكن أن يسيء أو يشين من منظر أو رائحة أو سلوك جانب التحضر في وجه الوطن أو شوارعه وحتى أزقته.. وإن لم يكن لدى البعض سلوك منضبط في الشارع العام يُضبط وتُحرَّر له غرامة.. ومن يرمي بالقاذورات بمخلفات المباني، ومن يصدر صوتاً عالياً يزعج الآخرين ويشمل أمر تنظيم الباعة المتجولين ومن يفترشون الأرض؛ وتجاوزات الأكشاك في الشوارع واصطفاف السيارات في أطراف الشوارع وكيفما كان.. وضد كل ما هو عشوائي.. والتربية الوطنية تكمن في تنمية تلك العاطفة الإيجابية بداخلنا تجاه الوطن فلا نقبل إلا بكلِّ ما يرفع من شأنه ويُعليه في أعين الأمم وأعين الأبناء والأجيال القادمة حتى لا يصبح الوطن مجرد محطة أولى للانطلاق إلى خارجه وبلا رجعة! والأمر يحتاج إلى كثير وطنية واحترام مواطنة؛ وطنية تصبح دافعًا لكل ما هو صحيح وراقٍ.. ومواطنة تجد حظها من العناية والتقدير فنبقى في أرض الوطن وإن خرجنا لا يخرج منّا الوطن..! وتمتلئ الجوانح والصدور حبًا وتغنيًا للوطن اعتقاداً لا شعاراً..