آخر تطورات الأوضاع في دارفور وليس أخيراً كان هو حسم القوات المسلحة لمحاولات ما أسمتهم «الجبهة الثورية» قصف حاضرة شمال دارفور مدينة الفاشر، وما تلا ذلك من بيان من لجنة أمن الولاية الذي اتهم جهات لم يسمها باستغلال الوضع في دارفور وصولاً إلى مكاسب ذاتية وفي ذات الاتجاه قال والي شمال دارفور عثمان كبر إن ذات المجموعة قد قصفت الفاشر أكثر من مرة في مراحل سابقة، لكن حركة التحرير والعدالة التي يرأسها الدكتور التجاني سيسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور قال: (إن الحكومة قامت بضرب قواته التي تتمركز على بعد «25» كيلو مترًا من مدينة الفاشر)، السيسي في مؤتمره الصحفي الذي خصصه للموضوع قال: (هناك أيادٍ خفية تسعى إلى إفشال اتفاقية الدوحة!!). هذه الاتهامات المتبادلة ربما تعيدنا إلى (المربع الأول) وهو اتفاقية (أبوجا) التي وقعتها الحكومة مع فصيل (مناوي) ثم نفض مناوي يده وعاد إلى التمرد تحت دعاوى مختلفة لكن الثابت هو الفشل في تطبيق بند الترتيبات الأمنية وهو المعضلة التي صاحبت كل اتفاقيات السلام إن لم تكن سبب إفشالها.. قبل الدخول في مرحلة الخيارات المفتوحة ولجان التحقيق حول من الذي اعتدى على آلآخر، لماذا دائماً يتم تأخير بند الترتيبات الأمنية وهو الأساس؟؟ كل الأضرار سببها حمل السلاح والخروج على سلطة الدولة وليس الحديث باللسان سواء كانت أضراراً مادية أو معنوية. المحاولات التصعيدية محتملة في وجود عدم الحماية الكافية وتحصين اتفاقية الدوحة، وما حالة التوهان الذي تعانيه السلطة الإقليمية ومحاولاتها المزدوجة ما بين الوفاء للمقاتلين والقواعد في دارفور، إلا نتاج لواقع ساهم فيه الجميع وتتحمل الحكومة المركزية الجزء الأكبر فيه لأنه كان الأوفق لها ولسلامة أي اتفاق سلام أن تشترط البند الأول تفكيك القوات على الأرض وتسريحها ودمجها وأن يظل في الميدان جيش نظامي واحد هو (القوات المسلحة السودانية) والقوات المساندة لها من الأمن والشرطة، وليس هناك مبرر أن يحتفظ (السيسي) بقوات على بعد «25» كيلو من الفاشر، لأن تعدد الجيوش والسلاح والمعدات العسكرية التي بأيدي الجميع هي سبب (البلاوى) لأنها عامل مساعد رئيس في التسلل إلى عمق المُدن سواء كانوا متمردين أو معتادي إجرام وهم الذين تسببوا في صناعة الرعب والخوف وسط المواطنين وباتوا مهدداً لأصحاب السيارات، والملاحظ يرى حالات الخطف والتهديد والقتل التي شهدتها دارفور خلال الآونة الأخيرة على خلفية نهب عربة أو متجر!!. دارفور في واقع الأمر لم تعرف السلطة اليوم فهي (سلطنة) منذ وقت ليس بالقصير وإن مفهوم (السلطنة) والحكم عند أهل دارفور قديم وارتبطت به بيوتات وأسر دارفورية معروفة إلا أن السلطة التي حظيت بها دارفور عبر فوهة (البندقية) أو (المدفعية) لم يذق لها أهل الإقليم طعمًا فقد تماهت حتى فقدت قيمتها المعنوية والمادية، دارفور ثرية بالقيم والموروث لكن ما يبدو هذه الأيام لا يشبهها وإن (السلاح) و(الكاكي) المنتشر في كل مكان أفقدها أكثر مما يكسبها!!. كنت أظن وما زلت أن يصنع الدكتور التجاني سيسي شيئاً لدارفور رغم غياب النخبة من أبناء الإقليم عن المشهد والواقع هناك وكنت أظن أن (السيسي) وهو رجل نخبوي وسليل بيت إمارة وحكم أهلي أن (يلم) أهل دارفور ويجلس إلى نخبها داخل وخارج السودان، لكنني بذات القدر أخشى على دارفور وسلطتها الإقليمية من الدور الجديد الذي بدأ يتقمصه (السيسي) واقترابه من سلوك مجموعة (الكدمول).. وأقول للسيسي والوزير بحر أبو قردة وكذلك الوزير الخلوق تاج الدين نيام أنتم قد جرَّبتم الحرب ومآلاتها وبالتالي التصعيد العسكري والجدال اللفظي عبر المنابر الإعلامية لا يضعان سلاماً ولا يؤديان إلى استقرار في دارفور فعليكم جميعاً أن تبحثوا عن لغة تواصل وحلول لمشكلات وعقبات السلام الذي هو أعداؤه كُثر وما اتفاقكم مع الحكومة بأن أيادي خفية تريد هدم العلاقة بينكم إلا دليلاً ومدخلاً للحقيقة، كما أن غياب العقلاء والنخب عن المشهد يجعل الأوضاع يسيطر عليها المخربون الذين يملأون الفراغات رغم قلة عددهم وضعف بنيتهم الفكرية والمعرفية!!. محاولات ضرب معسكرات النازحين هي انقلاب على من كانوا يؤيدون برنامج التمرد ويهللون له وهي عقاب لهم على تحولهم نحو الحقيقة، ومحاولة لإظهار دارفور غير آمنة، في وقت تعمل فيه حكومات الولايات وفق إمكاناتها ومساحاتها التي رسمها المشرِّع والقانون.. التقاطعات والتداخلات ما بين حكومات دارفور والسلطة الإقليمية سببه أن الولايات تعمل بقانون ودستور ورؤية واضحة بينما السلطة جاءت معالجة سلام (بروس) وكان المأمول وضع قانون أو تشريع يحدد صلاحيات ومهام السلطة الإقليمية لدارفور حتى لا تدخل في صدامات ومواجهات مع الحكومات المستقرة.. بكل صدق أعجبتني فكرة طواف (د. السيسي) على أرياف دارفور يرافقه السفير القطري وتبصيرهم بالتحولات التي تنتظر المنطقة وهو انتقال يجعلنا نسأل عن برامج (السلطة) في الاقتصاد والتنمية والمجتمع لأنها تمثل سلطة مساعدة أو موازية إذا فهمت صحيحًا لحكومات دارفور والحكومة المركزية وليس هناك ما يشير إلى أن للسلطة الإقليمية سلطة ولاية على حكومات دارفور (الخمس).. أقول هذا لأنني والجميع يدركون أن حكومات دارفور ظلت في حالة اشتباك دائم مع السلطة الإقليمية لكنه اليوم وبعد محاولات قصف الفاشر المتكررة مرشح في اتجاه التصعيد لا سيما بعد أن أخذ يخطف العناوين الرئيسة للأخبار في الأجهزة الإعلامية.. أختم بأن تجربة اتفاقية (أبوجا) كفيلة لكل الأطراف بالاعتبار واليقظة سواء كانت الحكومة أو من وقعوا على اتفاقية (الدوحة) التي بدأ بعض جوارحها استخدام أظافرهم والمخاشنة، وبعضهم الآخر خرج يشكو برغم من أن شكوى السلطة الإقليمية لدارفور هو إدانة لها أولاً لأنها جزء أصيل من الحكومة وتتحمل نتائج فشل الحكومة، الحكومة كذلك لها من الواجبات ذات التي على السلطة الإقليمية في دارفور، فالأوفق التحاور لحل مشكلات التنمية وعقبات السلام، والأوفق أن تعد السلطة الإقليمية نفسها لحوار مع رافضي سلام دارفور في خط موازٍ لمسار الطرف الحكومي حتى تتكامل جهود الجميع وتسهم في استقرار دائم لدارفور التي أنهكها البارود ودويُّ الرصاص!!.