فريق ركن: ابراهيم الرشيد علي أولاً: حركة الأميرألاي عبد الرحيم شنان والأميرألاي محيي الدين أحمد وآخرين. ثانياً: حركة الرائد هاشم العطا والرفاق. ثالثاً: المناصحة في لقاء المواجهة بين قادة الجيش والرئيس نميري. رابعاً: مذكرة الجيش لرئيس الوزراء في عهد الديمقراطية الثالثة. خامساً: ويضيف التاريخ لذاكرته حركة ود إبراهيم وصحبه. إن جميع ما سُمِّي بالحركات التصحيحية أو التناصحية التي جرت منذ حكم الرئيس عبود مروراً بنظام مايو برئاسة المشير جعفر نميري وصولاً إلى فترة الديمقراطية الثالثة برئاسة السيد الصادق المهدي إلى عهد الإنقاذ برئاسة المشير البشير، جميعها خرجت من صلب أنظمتها وعلى يد من كانوا جزءًا من تلك الأنظمة. ونبدأ بحركة الأميرالاي عبد الرحيم شنان والاميرألاي محيي الدين أحمد عبد الله من ضباط تنظيم الضباط الأحرار. سُمِّيت الحركة بالتصحيحية وجرت أحداثها في العام «1959م» وكانت السلطة بيد الفريق إبراهيم عبود الذي جاء إليها عن طريق انقلاب نوفمبر «1958م» لم يكن بعض الضباط راضين على تشكيل المجلس العسكري لحكومة عبود، وكان البعض يرون أنهم أحق بالعضوية، وعلى ضوء ذلك تم الترتيب لمحاصرة القيادة وحكومة عبود بتحرك قوات القيادة الشمالية بقيادة الأميرألاي شنان وقوات القيادة الشرقية بقيادة الأميرالاي محيي الدين أحمد عبد الله بالتنسيق مع بعض القادة والوحدات داخل العاصمة. حدث ذلك في ليلة الرابع من مارس «1959م»، طالب المنفذون بحل المجلس العسكري الأعلى وبعد تدخل الوساطات تم إقناع الرئيس عبود بإبعاد اللواء أحمد عبدالوهاب وعُيِّن الأميرالاي شنان والأميرألاي محيي الدين أحمد عبد الله كأعضاء في المجلس وتقلدوا مناصب وزارية، لم يستمر هذا الوضع طويلاً إذ أن الضباط المؤيدين لشنان ومحيي الدين لم يعجبهم الحل الذي قرره الفريق عبود مع الوساطة فتحركت القوات مرة أخرى من الشمالية والشرقية ووصلت الخرطوم إلا أن الأمر هذه المرة حُسم بشدة فسُجن الاميرألاي شنان والأميرألاي محيي الدين وأُبعد الأميرألاي أحمد عبد الله حامد والعديد من الضباط الذين اشتركوا معهم. «19» يوليو «1971م» ثورة التصحيح كما سمّاها قائد الانقلاب الرائد هاشم العطا إذ قال وهو يخاطب الشعب السوداني في بيانه الأول من خلال التلفزيون إن حركته حركة تصحيحية لمسار ثورة مايو الذي حاد عنه الرئيس جعفر نميري ورفاقه... كان الترتيب لتنفيذ الحركة دقيقاً واستطاع القائمون بها الاستيلاء على السلطة وتأمين وضعهم من خلال فترة وجيزة من عصر يوم «19» يوليو «1971م» بمعاونة كوادر الحزب الشيوعي السوداني وكانت الوحدات الرئيسية المشتركة في التنفيذ المدرَّعات والحرس الجُمهوري، وسهَّل أمر السيطرة على الأمور وجود معظم أعضاء مجلس الثورة مع الرئيس جعفر نميري في منزله لتناول وجبة الغداء عندما اقتحم المنزل أحد الضباط المنفذين ومعه عدد من ضباط الصف واقتادوا الرئيس وأعضاء المجلس محروسين في عربة مكشوفة إلى القصر الجمهوري وتم متزامناً مع ذلك اعتقال عدد كبير من القيادات العسكرية والمدنية ووُضعوا تحت الحراسة في أماكن متفرِّقة. لم يستمر صمود الحركة طويلاً لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الآن فتمَّت هزيمتُها واعتقال منفِّذيها في اليوم الثالث لقيامها. لقد كانت حركة الرائد هاشم العطا والرفاق مستفزّة لرئيس الجمهورية وأعضاء المجلس عندما اقتِيدوا بتلك الصورة وكانت دموية عندما أحسَّت بهزيمتها وراح ضحية ذلك عددٌ كبير من ضباط القوات المسلحة لم يكونوا هم المسؤولين عن ثورة مايو الشيء الذي أدَّى إلى محاسبة منفِّذيها بأحكام قاسية وإعدامات طالت كل رؤوسها من العسكريين والمدنيين فكانت النتيجة خسائر كبيرة للوطن من قادة وضباط مميزين ومن قيادات سياسية مشهود لها بالوطنية. أيضاً حدث خلال حكم مايو لقاء مواجهة بين قادة القوات المسلحة والرئيس نميري يسمِّيها البعض لقاء مناصحة مع القائد الأعلى للقوات المسلحة يصب في تصحيح مسار الحكم وأجهزة الدولة ومعالجة الفساد، كانت المواجهة داخل القيادة العامة في قاعة الاجتماعات الرئيسية وكان حضور القادة برئاسة الفريق أول ركن عبد الماجد حامد خليل النائب الأول لرئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة.. لم يكن هنالك أي تخطيط لأي عمل أو إجراء ضد السلطة بل كان لقاء للمناصحة فجاء حديث القادة بكل شفافية وصراحة بهدف تصحيح بعض الممارسات داخل الحزب الحاكم «الاتحاد الاشتراكي»، مع الإشارة لبعض القيادات الفاسدة كما وصفها البعض وضرورة المحاسبة، والمطالبة بأن يكون للقوات المسلحة دور واضح في مسيرة الحكم.. في اليوم الأول للمواجهة استمع الرئيس نميري للقادة بطول بال ومتابعة دقيقة ووعد بمواصلة اللقاء في اليوم التالي.. ولكن في خلال نهار اللقاء الأول ومسائه جرت مياه كثيرة تحت الجسر تدفقت من صنابير الأجهزة الأمنية كان لها أثر كبير على مسار اللقاء الثاني إذ حضر الرئيس للقاء بروح مختلفة عن اليوم الأول فكانت النتيجة قرارات عنيفة تم بموجبها إعفاء الفريق أول ركن عبد الماجد من جميع مناصبه وأُحيل معظم الضباط المشاركين في اللقاء إلى التقاعد على المعاش، وفقدت بذلك القوات المسلحة مجموعة من خيرة قادتها وضباطها وفقد الوطن رجلاً كان مأمولاً له خلافة الرئيس نميري في الحكم.. ولا شك أن نتائج حركة الرائد هاشم العطا التصحيحية ونتائج مواجهة مجموعة القادة التناصحية أفرزت آثارًا سلبية كان لها الأثر الكبير في مناهضة حكم مايو إذ أن للأولى أثرًا سياسيًا وتاريخيًا سلبيًا حُسب خصماً على مسيرة حكم مايو وكان للثانية أثر عسكري سلبي أضعف تأييد سلطة مايو داخل القوات المسلحة. وشكل آخر من أشكال مواجهة السلطة تمت من خلال مذكرة القوات المسلحة التي رُفعت للسيد رئيس الحكومة الصادق المهدي خلال فترة الديمقراطية الثالثة وكانت تحمل مطالب محددة ومعالجات متعددة للحال الذي وصلت إليه القوات المسلحة. حدث ذلك عندما كانت القوات المسلحة قد انتظمت صفوفها للانقلاب على السلطة القائمة رأت قيادتها وبعض كبار قادتها تنبيه السلطة التنفيذية بما وصل إليه الوضع داخل القوات المسلحة من تململ وذلك من خلال مذكرة الجيش الشهيرة.. لم تكن القيادة السياسية متجاوبة مع مذكرة الجيش فوقع ما كانت تخشاه قيادة القوات المسلحة وباقي القوى السياسية إذ وصلت الحركة الإسلامية للسلطة عن طريق انقلاب الإنقاذ الذي ساندته قاعدة القوات المسلحة. إذاً نستطيع أن نقول إن حركة الاميرألاي شنان والأميرألاي محيي الدين أحمد عبد الله حامد في العام «1959» وحركة الرائد هاشم العطا والحزب الشيوعي في يوليو «1971م» ومواجهة قادة القوات المسلحة للرئيس نميري في العام «1982م» ومذكرة قادة القوات المسلحة لرئيس الوزراء في العام «1989م»، نستطيع أن نطلق عليها حركات تصحيحية ذات طابع عسكري خرجت من داخل صفوف السلطة ومؤسساتها وانتهت إلى ما أشرنا إليه والخاسر دائماً الوطن والقوات المسلحة والاقتصاد وسمعة الوطن في الخارج. إن الناظر بعين فاحصة لتلك الحركات التصحيحية ذات الطابع العسكري سيخرج بدروس وعبر تفرض التعامل مع مثل هذه الأحداث بحكمة وحنكة وبُعد نظر وليس بعاطفة وحقد واندفاع كما حدث في حركة الرائد هاشم العطا من الطرفين. إذا نظرنا لما حدث في الأيام الماضية والذي كان على رأسه العميد ود إبراهيم إن كان ما حدث ثورة تصحيحية كما سماها أصحابها، أو تخريبية كما ورد في البيان الإعلامي الرسمي، أو انقلابية كاملة الأركان كما جاء على لسان رئيس جهاز الأمن لا يبعد ما حدث من روح الحركات التصحيحية التي أشرنا إليها، وكما خرجت تلك من صلب أنظمتها الحاكمة خرجت هذه من رحم النظام الحاكم، فالمعلوم أن هؤلاء الإخوة من لحم ودم الحركة الإسلامية ومن الفاعلين المقدامين المضحِّين لها على مر السنين وكانوا أرقاماً في مسيرة الإنقاذ وهذا يتطلب معالجة إفرازاتها وأمرها بصورة لا ينتج عنها خسائر للوطن كما حدث في سابقاتها ولا أظن أن السلطة في حد ذاتها ترغب في مزيد من الشقاقات والانفلاتات في ظل الظروف التي تمر بها الآن البلاد. ويجب حسم الذين يسعون لصعب الزيت على النار تصفية لحسابات شخصية أو البحث عن مكاسب سياسية رخيصة. ولا شك أن السلطة إذا كانت قريبة من قواعدها مستوعبة لآرائهم مستمعة لمواطنيها فاتحة أبوابها للناس أجمعين محاورة بصدق لمعارضيها نظيفة أمينة زاهدة في مسيرتها صالحة بطانتها لن تكون هناك حاجة لثورة تصحيحية!!