إذا ألقينا نظرة عامة على الأسواق نجد أن معظم الموجودين بها من فئة النساء، فالمرأة بطبعها تحب التجديد واقتناء الأشياء الجميلة والنادرة وهي تمتاز بأنها تجيد المفاصلة في البيع والشراء ولكن هذا يمثل مصدر قلق للرجال سواء كان زوجها بالمنزل أو كان البائع نفسه صاحب المحل، فزوجها ينبع قلقه من هدرها للوقت والمال، أما البائع فيخشى من تسوق النساء لأنهنَّ لا يقتنعن بسهولة سواء في السعر أو الشكل.. «الإنتباهة» قامت بجولة وسط الأسواق والتقينا بعدد من النساء المتسوقات وبعض أصحاب المحلات وقليل من الرجال الموجودين بالأسواق.. كما استعنّا برأي علم الاجتماع في ختام جولتنا.. من داخل أحد محلات بيع الأقمشة المشهورة بسوق أم درمان التقينا بالأستاذة بتول الطاهر وهي تهم بشراء ملايات ويكاد وجه البائع يختفي خلف تل الأقمشه الذي قامت بإنزاله من على الأرفف، ألقينا عليها التحية وسألناها عن حقيقة «شطارة» النساء في التسوق وقلق الرجال إزاء ذلك، ابتسمت ابتسامة عريضة ثم أجابت: هذه حقيقة، فالمرأة بطبعها ذات خبرة في التسوق عكس الرجل، فالرجل يمكن أن يشتري ما يجده أمامه من غير مفاصلة أو حتى تتأكد له جودة الخامة، وبالطبع ذلك يمثل مصدر قلق للزوج فيخشى من ذهاب النساء للتسوق، وحتى أصحاب المحلات التجارية لا يحبذون مبايعة النساء بحجة أنهنَّ «كلامهنَّ كتير» ويصعب إقناعهنَّ. تناول أطراف الحديث صاحب المحل قائلاً بشيء من الانفعال: خير عندي أنا يأتي لدكاني هذا مائة رجل وأبايعهم كلهم برضا تام من أن تأتي إليَّ امرأة واحدة، فالنساء «محاججات»ويصعب إقناعهنَّ بجودة المنتج التي تؤدي لارتفاع السعر. الحاجة نفسية من المداومين على التسوق فهي تحب الاطّلاع على كل ما هو جديد تقول في إفادتها: بطبعي أحب التسوق ومعرفة كل ما هو جديد وزوجي دائمًا ما يبدي اعتراضًا وتذمرًا على ذهابي المتكرر للتسوق وقد حاولت التخلي عن هذه العادة لكني لم أستطع لأن زوجي عندما أطلب منه شيئًا معينًا يكتفي بإحضاره لي دون التأكد من الخامة وجودتها وسعرها لذا أفضل الذهاب بنفسي ولديَّ زبائن معتمدون وهم أيضًا يُبدون ضيقهم من مفاصلتي لهم في الأسعار ولكن في النهاية أشتري ما أُريد وأنا مقتنعة به شكلاً وسعرًا ومضمونًا. طالبتان جامعيتان جمعتني بهما الصدفة في المواصلات العامة وكانتا تتحدثان عن الجديد في عالم الموضة والمكياج، قالت إحداهما للأخرى: بالرغم من أني قد قمت بشراء كل مستلزماتي من زبوني الدائم بالسوق إلا أن زميلتنا «...» أشارت عليَّ بمحل آخر يبيع كل ما هو جديد وماركات عالمية فلا ضير من الذهاب إليه ولو نال استحساننا شيء نقوم بشرائه «ولا يضر»! فقد نحتاج إليه يومًا ما. وجدناه بسوق بحري وهو يهم بشراء ثوب نسائي ونحن وقوف بذات المحل وكان يتحدث مع البائع قائلاً: أُريد ثوبًا بخامة جيدة وسعر معقول وألوان مناسبة! وعند ما التفت إلينا ليأخذ رأينا فيما اشترى أشرنا عليه برداءة الخامة وغلاء السعر، فما كان منه إلا أن قال: «عشان كده أنا مابشاور زوجتي في الشراية»! السر الأمين موظف يقول: يوم ذهاب زوجتي للتسوق يوم «بشيل ليهو هم» فهي تغيب عن المنزل لساعات طويلة وتصرف أموالاً كثيرة ولكن رغم ذلك أنا أعترف «بشطارتها» في التسوق رغم القلق الذي يتنابني كلَّما همَّت بزيارة السوق. علي عثمان تاجر قماش قال في إفادته: المرأة بطبعها يصعب إقناعها عند الشراء، ولكن الرجل يشتري دون مفاصلة حتى ولو كان السعر عاليًا، لذا أفضل البيع للرجال من النساء، فالمرأة شاطرة في التسوق عكس الرجل لكن «كلامها كتير» وأحيانًا كثيرًا ما تخرج من المحل دون شراء شيء بعد أن تكون قد قامت بإنزال كل أرفف البضاعة أرضًا. الأستاذة سلافة بسطاوي اختصاصي علم الاجتماع أفادتنا قائلة: النساء عمومًا يحببن التسوق بغض النظر عن أنها تريد شراء شيء ما أم لا، فالمرأة تحب الاطلاع على عالم الأشياء التي تحبها فمنهن مثلاً من تكون مهووسة بعالم الأواني المنزلية ودائمًا تكون في رحلة البحث عن الجديد حتى تشعر بالتفرد أمام الأخريات، ونجد أن الرجال يُظهرون ضيقهم وتذمرهم لأن المرأة تشتري بعين الأخريات. وغالبية النساء عند ذهابهن للتسوق لا يحددن تحديدًا ماذا يردن لذا ينشغلن بالجديد والمستحدث في الأسواق عن الأساسيات، فالنساء يعانين من سوء تخطيط وعدم تحديد الأولويات عند التسوق، ولا يملكن الإدارة المالية الجيدة، والدليل على ذلك أنهن دائمًا مايلجأن لشراء أشياء ومستلزمات لا حاجة لهن بها على الأقل في وقت شرائها، والمرأة بطبعها لديها حب التملك حتى ولو كان لأغراض ومستلزمات لا تجيد التعامل معها ولا كيفية استخدامها ولكنها تسارع لامتلاكها كمظهر اجتماعي لزوم «أنا عندي»، وعمومًا نظرة المرأة للتسوق غير عميقة وغير مدروسة، فالتسوق من غير برمجة وقراءة محددة هو صرف زمن دون جدوى وهدر للطاقة يتبعه إهمال في البيت والزوج والأطفال والعلاقات.. والرجل البائع نفسه يتذمر من المرأة التي تأتي للمحل وتقوم بإنزال كل البضاعة وفي النهاية لا تشتري شيئًا بحجة أنها لم تجد ما تبحث عنه في حين أنها أصلاً لا تكون تبحث عن شيء بعينه أما الزوج في المنزل عندما تعتزم زوجته الذهاب للتسوق فيبدي ضيقاً وعدم رضا نسبة لإهدار زوجته للمال والزمن.