أقسى اللحظات التي قد تمر على الإنسان أن تقف أمام شخص أساء إليه ليعتذر له، فالاعتراف بالخطأ من الأمور الصعبة على النفس، ويظل الاعتذار عن ذنب والاعتراف بالخطأ من الأشياء النادرة في مجتمعاتنا بالرغم من أن الخطأ من طبائع البشر، والعودة إلى الصواب والاعتذار للإنسان مهما كان صغيراً أو كبيراً قوياً أو ضعيفاً من أفضل وأنبل الأمور التي قد تقوم بها لشخص مهما كان وضعه الطبقي. وقد يظن البعض أن الاعتذارشكل من أشكال الضعف والمهانة والإذلال على الرغم من أنه من أشجع الأعمال التي لا يقوم بها إلا أصحاب الشجاعة والذين لديهم ثقة في النفس كبيرة ويتهرب منه الضعفاء الذين يخافون من مواجهة الصواب بالخطأ والذين لا يواجهون أنفسهم بالحقيقة ويحتاج مجتمعنا إلى التعامل بثقافة الاعتذار دون أن يعتقد أنها نوع من أنواع الضعف والمهانة، وأن تكون جزءًا من عاداتنا اليومية التي نمارسها دون خجل أو تردُّد. البداية كانت من أحمد الذي قال أنا كرب لأسرتي لا أعتذر أبداً مهما ارتكبت من هنات وغلطات تجاه أسرتي وأولادي لأن الاعتذار يهز صورتي أمام أولادي ويجعلهم يعتقدون أني أب مهزوز فيستغلون ذلك ويصبح المنزل في حالة فوضى ويخرج الأمر عن سيطرتي وكل واحد يعمل العايزو. أما «ربا» وهي طالبة جامعية فقالت إن الاعتذار كلمة لا تُستخدم عندنا كثيراً إلا في الأمور التافهة لأن الكل يرى أنه أكبر من أن يعتذر لشخص أخطأ في حقه ولو أدى ذلك إلى إنهاء العلاقة بينهم لأن المعتذر في الوسط الطلابي شخص ضعيف الشخصية ولا يملك أي احترام لذاته. ويوافقها الرأي أحمد الذي يضيف أن الشخص إذا اعتذر لأي فرد حتى لو كان في أمر بسيط يفتخر ذلك الشخص ويقول على الملأ إن فلانًا أتاه واعتذر إليه وقبل اعتذارة ولذلك نحن نفكر ألف مرة قبل أن نذهب للاعتذار لأي شخص. أما «عادل» فقال إن الاعتذار من الأمور الفاضلة والحميدة وقد وصّى بها نبينا عليه الصلاة والسلام لكن الناس أصبحت تتكبر وتزيد في البعد عن قيمنا السمحة ولذلك ازدادت الجفوة بين الأهل والأصدقاء فلو أي فرد أجرم أو أذنب في حق غيره واعتذر لترابط الناس أكثر وأكثر، ولما كانت هناك عداوات وخصامات. قال «سليمان» إن مجتمعنا السوداني أصبح يعكس الأمر، فالشخص الذي يعتذر ويتصرف بأدب مع الناس ويحترمهم يحتقرونه ولا يعطونه قيمة عندهم، أما المتكبر والذي يتعالى على الناس ولا يعتذر أبدًا فيصفونه بأجمل العبارات وأنه هو «الراجل» ولذلك أصبح الناس يخافون من الاعتذار والتعامل بطيبة لكن هذا نجده لدى القلائل ممن يعتذر لك ويطلب الصفح. أما الأستاذ «حسن» فيعتبر أن ثقافة الاعتذار انحسرت في نطاق ضيق فاصبحت في أماكن التعليم والمنزل، فالطالب يعتذر ويبرر لمعلمه والابن يعتذر لوالديه، أما غير ذلك ففي حالات قليلة مثل الأمور الهامشية التي تمر، فمثلاً إذا اخلفت وعداً لأحد أو أخطأت تجاه آخر قد يعتبر الاعتذار نوعًا من أنواع الانكسار والتراجع، قليلون هم من يقومون بذلك. الباحثة الاجتماعية الأستاذة سامية ترى أنه رغم التغيرات التي شهدها مجتمعنا السوداني ودخول ثقافات سالبة عليه إلا أنه مازال يتمتع بعادات وتقاليد تعتبر من مميزاته، والنسيج الأسري مترابط والفرد في داخل منظومته يحفظ للكبير مكانته والمرأة في ذلك النسيج تحافظ على كرامة أسرتها، وما زال الأولاد يعتذرون لآبائهم وأمهاتهم والطلبة يعتذرون لأساتذتهم والخارجون على ثقافتنا قليلون والاعتذار من صميم ثقافتنا.