تعاني الصادرات السودانية غير البترولية من تراجع مضطرد مما جعلها تحتل مراتب متدنية في جدول صادرات السودان في السنوات الأخيرة الماضية مقابل النفط، ففي حين شكّل البترول في فترات سابقة ارتفاعاً غير مماثل من الصادرات الأخرى التي كانت تعتمد عليها البلاد، فشلت السياسات الاقتصادية في ضبط وتطوير ثروات البلاد الأخرى أو حتى المحافظة عليها، مما يجعل من الصعب التكهن بمستقبل السودان الغذائي في ظل تحوله من منتج إلى مستورد مستهلك، أو الوقوع في فخ ما يسمى «بالمرض الهولندي» كما حدث في بعض الدول التي تعرضت له وأُطلق عليها في القرن التاسع عشر بعد أن أفاقت على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفتها باستهلاكها غير المنتج من النفط والغاز الطبيعي تجاهل للموارد الغنية الاخرى، وحذّر عدد من الخبراء من الخطوة واعتبروها تجاهلاً للموارد الأساسية والداعمة للاقتصاد السوداني خاصة الزراعة التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد وتجاهلها يؤدي إلى كوارث متوقعة، وحثوا على ضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الكلية، وتخوّف الخبراء من وجود البترول في مناطق نزاعات قبلية تهدد استمرارية الاعتماد عليه لعدم استقرار أوضاعها الأمنية التي تشكل خطرًا على وجوده داخل حدودها، وهو ما عضده حديث وزير النفط د. عوض الجاز ومطالبته للحكومة بالتركيز على التوسع في الإنتاج النفطي لإضافة إيرادات في الموازنة المقبلة وتجاوز مشكلة بيع المحروقات المستوردة بأسعار متدنية داخلياً، وأوضح أن وزارة المالية والبنك المركزي طلبا من وزارته رفع سقف الإنتاج إلى «150» ألف برميل يومياً بنهاية العام الجاري لتكون رافدًا أساسياً لتغذية خزينة الدولة، ورأى الجاز أن الاعتماد على النفط في قطاعات التنمية والموازنة أفضل من الاعتماد على الزراعة والتعدين باعتبار أن إيرادات النفط تدخل بشكل مباشر في الخزينة العامة، وقال إن اجتماعات دورية بين البنك المركزي ووزارتي المالية والنفط خلصت إلى ضرورة تطوير الإنتاج النفطي بالبلاد لتجاوز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني واستقرار سعر الصرف، ودراسات لتطوير مصفاتي بورتسودان والأبيض، فيما يرى الخبير الاقتصادي د. بابكر محمد توم أن الزراعة والصناعة موارد أساسية لا تقل أهمية عن البترول خاصة وأن وجودها في مناطق ممتدة في السودان خلافاً للبترول الذي يوجد في مساحات محدودة، وقال إن البترول في العام 1999م كان يعتبر أكبر مورد للعملات وأن«90%» من عائداتها حسب الاتفاق كان يجب أن تستغل في دعم البنى التحتية للزراعة والصناعة، ولم يحدث هذا بالمستوى المطلوب، واتفق التوم مع د. الجاز حول اهتمامه بالنفط ودعا الوزارات الأخرى بأن تحذو حذوه لإحداث طفرة في المجالات كافة، وأشار الخبيرالاقتصادي د. محمد الناير إلى ضرورة الاعتماد على الموارد الأخرى لأن السودان دولة متعددة الموارد وتوجد بها ثروات ضخمة والنفط يعتبر واحداً منها لكن الاعتماد عليه كمورد أساسي خطأ أوشك على إصابة السودان بالمرض الهولندي كما حدث في فترة سابقة، وزاد قائلاً إن المرحلة المقبلة تتطلب اهتمام الدولة بالنفط والذهب والتعامل معها على أنها موارد ناضبة بتوظيف قدر من عائداتها للاقتصاد الحقيقي الزراعي والصناعي والحيواني والبحث العلمي للنهوض بالاقتصاد مستقبلاً، والتركيز على التصنيع الزراعي وزيادة حجم الموازنات المرصودة للبحث العلمي ونقل التقانات لتحقيق القيمة المضافة للمنتجات السودانية حتى تستفيد منها البلاد.