يقول أهلنا إن الدنيا «علاية ودلّاية» وهذا معناه أن الدنيا يمكن أن تعلو بك حتى تضعك مع أغنياء البلد وكبارها المشهورين.. وبعد فترة يمكنها أن تنزل بك وتتدلى معك إلى الحضيض، فتجعلك فقيراً معدماً.. فكم من رجال الأعمال المشهورين تحول إلى معدم يستجدي قوت يومه ممن يعرف ولا يعرف.. والأمثلة من حولنا كثيرة وعديدة تنتظر من يقوم بحصرها وإلقاء الضوء عليها.. ولعلنا نجد أمثلة صارخة في بعض رواد السينما المصرية. فالممثلة العربية فاطمة رشدي التي كانت أول ممثلة عربية تمارس عملية «التقبيل» في السينما مع الممثل حسين صدقي اشتهرت حتى اضطرت إلى الانتقال من الغرفة الواحدة التي كانت تستأجرها فوق السطوح إلى شقة من غرفتين ثم إلى جناح كامل، ثم أنها بنت قصراً ضخماً.. وكانت تلبس الحذاء والفستان لمرة واحدة فقط.. ولكنها عندما كبرت و«كركبت» انخفض أجرها للنصف ثم الربع ثم اشتغلت باليومية.. ثم أفلست وباعت القصر لتسكن في شقة كبيرة، ثم انتقلت إلى شقة من غرفتين ثم إلى غرفة واحدة مؤجرة في «السطوح»، وماتت دون أن تجد من يدفع تكاليف دفنها. والفنان الكوميدي إسماعيل ياسين اشتهر بالغنى الفاحش وكثرة الملابس والأسفار إلى اليونان في نهاية كل أسبوع.. ثم أفلس إفلاساً مدقعاً في بيروت، واضطر إلى بيع الفول ومات فقيراً ولم يتبع جنازته سوى تسعة أشخاص لم يكن من بينهم أي شخص معروف. والفنان الكبير عبد السلام النابلسي ذو الأصول السورية أو اللبنانية، كان غنياً وحريصاً جداً على جمع المال، ولكنه مات مفلساً ولم يجد من يدفع تكاليف جنازته غير الفنان فريد الأطرش الذي أفلس هو الآخر ومات معدماً.. وقصة الفنانة سعاد حسني ليست ببعيدة عن الأذهان، فبعد أن كانت تعرف بأن اسمها ساندريلا الشاشة العربية ويتزاحم على دارها مخرجو الأفلام والمنتجون، ماتت فقيرة ومعدمة ولم يُعرف ما إذا كانت قد ماتت مقتولة أو منتحرة. ومرة أخرى نرجع إلى كلام أهلنا البسطاء من أن الدنيا «علاية ودلّاية»، حيث لا أمان ولا اطمئنان.. والعاقبة للتقوى ولا يبقى في الأرض إلا العمل الصالح وما ينفع الناس!! كسرة أولى: لا يختلف اثنان في أن الإنقاذ قد أفرزت واقعاً أثّر على ثقافة الناس في القرى والمدن.. على الأقل فإن مسألة الأسلمة في كثير من مناحي الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية صارت أمراً سائداً حتى لو كانت هذه الأسلمة تدخل في الشكل دون المضمون.. فالكثير من الأحياء الجديدة «تأسلمت» أسماؤها، فظهرت أحياء مثل «حي الصفا» و«حي اليرموك» و«مدينة قباء» و«مدينة الفاروق» و«الطائف» و«الفردوس» و«القادسية» و«مدينة يثرب».. ويبدو أن من يقومون بتسمية الأحياء لا يدققون في الاختيار كثيراً، ولا يقومون بإطلاق الاسم بعد معرفة ما يتعلق به تاريخياً.. مثلاً اسم «يثرب» ربما أطلقه أحد الإخوة تيمناً بالمدينةالمنورة.. وقد يكون هذا الأخ نسي أو لا يعرف أن «يثرب» كان هو الاسم القديم للمدينة المنورة.. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بتغيير هذا الاسم إلى «المدينة».. بل أنه طلب من الصحابة أن يستغفروا ثلاث مرات إذا ما نسي أحدهم وذكر اسم «يثرب» بدلاً عن »المدينة« حتى يتعودوا على الاسم الجديد.. وكلمة »يثرب« مشتقة من «التراب» حيث تقلب «التاء» إلى «ثاء» عند العرب.. فيقولون «تربت يداك» أو «ثربت يداك» أو يقول السودانيون «التراب في خشمك».. المهم نقول إنه من الضروري مراجعة أسماء القرى والأحياء بشئ من التقصي للتاريخ.. ثم ما هو الخطأ «في سودنة» أسماء مدننا وقرانا والاحتفاء بها بدلاً عن أسلمتها، علماً بأن أسماء مدن وقرى الحجاز قديمة جداً وأطلقت قبل أن يظهر الإسلام نفسه.. تحضرني هنا تلك النكتة التي تقول إن أحد «بلدياتنا» كان »طاشم« ويبدو أنه »فقد البوصلة« عند وصوله إلى »الحلة« بتاعتهم.. وبنصف عين مفتوحة كان يقرأ اسم الشارع فيجد يافطة مكتوب عليها اسم أحد الصحابة. ويذهب إلى الشارع الثاني فيجد اسم أحد التابعين وإلى الشارع الثالث والرابع فيجد اسم أحد الأئمة الأربعة.. وعموماً، فإن الرجل لم يجد منزلهم ووجد أنه »غرقان« في بحر من اليافطات الإسلامية في كل شارع وكل زقاق.. ولم يملك غير أن يصيح بأعلى صوته في منتصف الليل منادياً أهل الحي «أين منزلنا يا أهل مكة»؟؟ والطرفة الأخرى تحكي عن ذلك المواطن الذي كان يبحث عن اسم إسلامي لشركته، وكان المسجل التجاري في كل مرة يقول له إن هذا الاسم موجود، وأخيراً لم يجد غير أن يسمي شركته «حمالة الحطب».. «في جيدها حبل من مسد». كسرة ثانية: قرأنا في صحف الأمس أنه ربما قامت الجهات المختصة في الأيام القادمة بتحديد تسعة معابر بين السودان ودولة الدينكا في الجنوب.. وهنا لا بد أن نشير إلى أن المعابر يجب أن تكون مغلقة ومحروسة تماماً، وأن تكون مواقع لضبط الحركة فلا يدخل إلينا إلا من كان معه جواز سفر «جنوبي» ساري المفعول وبه تأشيرة دخول موقعة من السفارة السودانية، ويحدد له عدد الأيام التي سيقضيها معنا.. ويتم تسجيله «بالكمبيوتر» ومعرفة محل إقامته لإرجاعه إلى أهله بعد انتهاء مهمته.. ولا يجوز له العمل بأجر أو بدون أجر في السودان، لأن فرص العمل أحق بها أولادنا.. وأن يكون القادم خالياً من الأمراض المنقولة والمعدية والأوبئة سريعة الانتشار.. فهمتونا يا ناس المعابر؟ أما التجارة، فيجب أن تكون عن طريق خطابات اعتماد معززة من بنوك درجة أولى، وغير قابلة للنقض وغير قابلة للإرجاع وسارية المفعول، ولا يسمح لأي لوري أو شاحنة بالمرور عبر المعابر قبل التأكد من الأوراق البنكية وتصديقات الصادر من وزارة التجارة، وبعد كل هذا هناك احتمال أن يقوم الجنوبيون بنهب التجار المندكورو. ويقولون لهم «شُم واته ده هو بتاع إنتكم»، هذا إذا لم يقتلوهم مثلما فعلوا في كثير من المرات، وأقربها قبل شهر واحد فقط!!