بعد أن قامت القوى الصليبية الغربية بطائرات وصواريخ ودبابات الصليب الأحمر، بتخريب الصومال وتدمير أفغانستان وتحطيم العراق، هرعت إلى جمهورية (مالي) لإبادة الإسلاميين في داخل وطنهم. غياب الحلّ السياسي واعتماد التدخل العسكري في أفغانستان نتج عنه خراب أفغانستان وازدهار تنظيم القاعدة. تغييب الحلّ السياسي واعتمادالتدخل العسكري في الصومال نجم عنه دمار الصومال وازدهار تنظيم القاعدة. كذلك إبعاد السياسة واعتماد الحرب والتدخل العسكري في (مالي)، لن يكون استثناء. حيث سيؤدى لا محالة إلى دمار مالي وازدهار تنظيم القاعدة وزعزعة استقرار المنطقة. وستصبح مالي منطقة جذب لكل شباب الإسلاميين من المقاتلين الأمميين الذين سيهرعون إلى مالي لقتال الغزاة الصليبيين الباغين. سيهرعون من نيجيريا والسنغال وتشاد والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا وتونس، وغيرها. ستجد فرنسا أمامها في مالي ليس (أنصار الدين) أو حركة (التوحيد والجهاد) أو (تنظيم القاعدة) وحدهم، أو (بوكو حرام) النيجيريِّة وحدها، بل ستجد ألف تنظيم من أمثالهم من كافة أرجاء العالم. من السودان يوجد في مالي اليوم ما لا يقل من مائة وخمسين شاباً مقاتلاً. الغرب الصليبي كافَّة يقاتل مالي وحدها!. حيث تلقى التدخل العسكري الفرنسي في مالي دعماً لوجستياً من بريطانيا. وتلقى دعماً استخبارياً من واشنطن. بدأت فرنسا يوم الإثنين 14/ يناير 2012م تدخلها العسكري في مالي ب (550) جندي، ستضيف إليهم عاجلاً (600) جندي، حيث سيتم نقلهم مع معداتهم العسكرية بواسطة طائرات أمريكية. وسيترفع عدد الجنود الفرنسيين في مالى إلى أكثر من (2000) ألف جندي. غداً الخميس يعقد الإتحاد الأوربي اجتماعاً استثنائياً حول (مالي). وأعلن (البنتاجون) أن واشنطن سترسل قوات أمريكية إلى مالي والدول المجاورة لها. كما سترسل أمريكا إلى مالي طائرات بدون طيار وطائرات استطلاع استخبارية، كما ستعمل على تزويد الطائرات الحربية الفرنسية بالوقود. التدخل العسكري الفرنسي المدعوم أمريكياً وبريطانياً وأوربياً في مالي، سيؤدّي بالضرورة إلى اتساع نطاق المواجهات وزيادة حدّة الصدام العسكري بين القوى العسكرية الغربية والإسلاميين في المنطقة وما وراء المنطقة. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس أوباما بعد أن بدأ في تنكيس رايات حرب أفغانستان الطويلة المكلفة، انتقل تركيز الدول الغربية في حرب (الإرهاب) إلى مناطق أخرى مثل اليمن والصومال وشمال نيجيريا، وأخيراً مالي بعد أن استولى الإسلاميون على شمالها عقب الإنقلاب العسكري الذي حدث في مارس 2012م. تجدر الإشارة إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي غير بعيد عن ساحات التدخل العسكري الفرنسي. ويعتبر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، أفضل الجماعات الإسلامية المسلحّة تمويلاً. وكانت المنظمة الإقليمية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، تحت الضغط الفرنسي، قد أعلنت تحالفها العسكري مع فرنسا، حيث التزمت بإرسال قوّة عسكرية من (3300) جندي، منهم (500) جندي من النيجر و(500) جندي من السنغال، لينضموا بموجب قرار من الأممالمتحدة إلى جانب القوات الفرنسية في حربها في مالي. كما أن الجزائر أعلنت السماح للطائرات الحربية الفرنسية بعبور أجوائها إلى مالي. يشار إلى أن لدى فرنسا عدد من القواعد العسكرية في الدول الأفريقية في تشاد و (بوركينافاسو) وأفريقيا الوسطى وجيبوتي، وغيرها. عسكريَّاً تعتبر فرنسا الدولة العسكرية الثانية أوربياً، بعد روسيا. بينما تأتي بريطانيا في المرتبة الثالثة عسكرياً في أوربا. غير أن فرنسا لا تعتبر دولة كبرى، في حساب السياسة الدولية، بل هي دولة وسيطة، وإن كانت تتمتع بحق النقص (الڤيتو) في مجلس الأمن. ولذلك هرعت (الدولة الوسيطة) في اليوم الثاني لحربها في مالي إلى البحث عن عدد من المموِّلين لحربٍ قد تطول في المستنقع المالي. من هؤلاء المموِّلين الذين تبحث عنهم فرنسا عدد من الدول الإسلامية. هل سيشهد العالم في مالي حرباً صليبية بتمويل (إسلامي)!. وتجدر الإشارة إلى أن لدى فرنسا سجل مظلم من الإبادة والمجازر الدامية في أفريقيا. المجازر الفرنسية توجد في كل مكان في شمال وغرب ووسط أفريقيا. اليوم فرنسا الصليبية التي لاتطيق حتي حجاب المرأة المسلمة وتعتبره خطراً على أمنها القومي، تفتح باباً جديداً من أنهار الدماء في دولة مسلمة صغيرة مسالمة. فرنسا عبرت طائراتها الحربية آلاف الأميال إلى مالي، قادمة من قواعدها العسكرية في باريس وغيرها من المدن، كما قدمت من قواعدها في الدول الافريقية. ورغم ذلك تصف فرنسا شباب الإسلاميين الذين تحاربهم داخل وطنهم ب الإرهابيين!. مالي التي تستهدفها فرنسا بعملياتها العسكرية هي التي شهدت قيام أهم الممالك الإسلامية الأفريقية، وبها قامت أكبر الدول الإسلامية مساحة، وبها جوهرة الثقافة الإسلامية مدينة (تمبكتو) حيث تتوفر كنوز وفيرة من المخطوطات الإسلامية والكتب والمعرفة والمراجع الثمينة. شعب مالي كما تصدَّى من قبل، سيتصدَّى للغزاة الصليبيين دفاعاً عن أرضه وعقيدته. وكما انهزمت فرنسا من قبل، ومَن والاها، ستنهزم هذه المرة مرة أخرى. لكن أولاً وأخيراً، المطلوب في مالي حلّ سياسي بين الفرقاء. ليس المطلوب تدخل عسكري فرنسي ومجازر جديدة دامية وقتل شعب مالي داخل وطنه.