جاء في القائمة الإحصائية التي صدرت أخيرًا على موقع (celebritynetworth.com) عن أغني خمسة وعشرين شخصا، عُرفوا في تاريخ الإنسانية المكتوب، اسم الزعيم الملك الإفريقي المالي المسلم، مانسا موسى الأول. وقد عاش هذا الزعيم المرموق في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي. وتزعَّم مملكة مالي الكبرى، التي عاصمتها تومبوكتو، وتضم أجزاء شاسعة من غرب إفريقية. وبعد إجراء عمليات حسابية لتقدير أثر التضخم على القدرات الشرائية للعملات، ذكر الموقع أن الثروة التي حازها هذا الملك، تقدَّر بأموال اليوم، بنحو أربعمائة مليار دولار. وهذا القدر من الثروة وضعه على عرش أغنى أغنياء التاريخ المعروف. ثم جاءت، في الموقع التالي، ثروة عائلة الملياردير الأمريكي اليهودي المعروف، أمشيل روتشيلد، وقد قدرها الموقع بنحو خمسين وثلاثمائة مليار دولار. وتلتهما عائلة الملياردير الأمريكي اليهودي المعروف أيضًا، جون روكفيلر، وقد قدَّرها الموقع بنحو أربعين وثلاثمائة مليار دولار. وجاء في الموقع الرابع المياردير الأمريكي المشهور، آندرو كارنيغي، وقد قدر الموقع ثروته بنحو عشرة وثلاثمائة مليار دولار. ولاستناد العملات المالية على معدن الذهب، فقد ترجحت كفة الحاج مانسا موسى على الجميع. إذ حاز منه كميات مهولة، حيث ذكرت بعض المصادر التاريخية أن مملكة مالي القديمة، التي تربع مانسا على عرشها، كانت تنتج، في ذلك الأوان، نحو نصف إنتاج العالم من الذهب. وقد وصف المؤرخ الإفريقي، عبد الرحمن السعدي، هذا الزعيم، بأنه أغنى ملوك مالي، وأنه ملك: «صالح عادل، لم يكن فيهم مثله في الصلاح والعدل، قد حج بيت الله الحرام، وكان مشيه، والله أعلم، في أوائل القرن الثامن، في قوة عظيمة، وجماعة كثيرة، والجندي منهم ستون ألفًا رجالاً. ويسعى بين يديه إذا ركب خمسمائة عبيد، وبيد كل واحد منهم عصي من ذهب، في كل منها خمسمائة مثقال ذهب». «انظر: عبد الرحمن بن عبد الله بن عمران السعدي، تاريخ السودان، بتحقيق هوداس وبنوه، ص 7 8». وقد تحدث عن غناه، وغنى أبيه، أبي بكر، الرحالة ابن بطوطة، والموسوعي القلقشندي، والمؤرخ ابن فضل الله العمري. ومما ورد في كتب التاريخ القديم أن الملك أبو بكر قرر أن يستخدم جزءًا من ثروته الهائلة، فيركب ثبج البحر، ليكتشف ما وراءه من الآفاق. وحكى المؤرخ الإسلامي، ابن فضل الله العُمَري، أنه سأل ابن أبي بكر هذا، المسمى مانسا موسى، عن سرٍّ انتقال الملك إليه، فأفاده قائلاً:« إن الذي كان قبلي يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك، فجهز مِئين سفن، وشحنها بالرجال والأزواد، التي تكفيهم سنين، وأمر من فيها أن لا يرجعوا، حتى يبلغوا نهايته، أو تنفد أزوادهم. فغابوا مدة طويلة، ثم عاد منهم سفينة واحدة، وحضر مقدَمها. فسأله عن أمرهم، فقال: سارت السفن زمانا طويلاً، حتى عرض لها في البحر في وسط اللجة واد له جرْية عظيمة، فابتلع تلك المراكب، وكنت آخر القوم، فرجعت بسفينتي، فلم يصدقه. فجهز ألفًا للرجال وألفًا للأزواد، واستخلفني وسافر بنفسه، ليعلم حقيقة ذلك، فكان آخر العهد به وبمن معه». «راجع: أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، القاهرة: دار الكتب الخديوية، 1915م «5/294 295». وقد حقق في تفاصيل ما جرى لهاتين البعثتين، الاستكشافيتين، الإفريقيتين، عالم اللغات، والأنثروبولوجيا، الأمريكي المعاصر، البروفسور، إيفان فان سيرتيما، الذي استدعاه الكونجرس الأمريكي ليستمع إلى خلاصة أبحاثه، فأكد أن البعثة الإفريقية الأولى، تحطمت على التيار المائي، الاستوائي، الذي يجري داخل المحيط، قرابة سواحل فلوريدا. ورجَّح البروفسور سيرتيما، بشواهد أثرية لقبور أشخاص سود، دل الفحص الكربوني على أنها ترجع إلى تلك الفترة بالتحديد، وصول البعثة الثانية، واستقرارها في نواحي فلوريدا، والمكسيك، واختلاطها بالهنود الحمر، وهو الأمر الذي يظهر في سحنات شعب المايا الآن. راجع: (Ivan Van Sertima, They Came before Columbus: The African Presence in Ancient America Random house, 1976.). وربما كان بقايا هؤلاء الرجال، هم أولئك السود، الذين التقاهم كريستوفر كولومبس، وتحدث عنهم في مذكراته، عن وقائع الرحلة الثالثة، ووصفهم بأنهم كانوا سود البشرة، يحملون أسلحة مذهبة، وأنهم أغنياء، لهم متاع وأدوات عظيمة. (Samuel E. Morison, Journals and Other Documents on the Life and Voyages of Christopher Columbus, Heritage Press, New York, 1963. P. 237). وربما تمت إبادة هؤلاء السكان السود، لاحقًا، ضمن الأقوام المحليين، الذين أجهز عليهم المهاجرون الأوربيون، الذين توافدوا على القارة الأمريكية، على إثر كولومبس. وربما كانت المساجد الأثرية، التي اكتُشفت في كل من نيفادا، وتكساس، والمكسيك هي بعض بقايا آثارهم. وقد ذكر كولمبس أيضًا في مذكراته، بتاريخ الحادي عشر من أكتوبر 1492م، أنه ربما رأى مسجدًا، ذا منارة طويلة، قبالة الساحل الكوبي. (The Journal of Christopher Columbus, Translated By Cecil Jane, Clarkson N. Potter, New York, 1969. P. 41-42). وكريستوفر كولومبس يعرف المساجد جيدًا، لأنه أتى من الأندلس المسلمة، في عام سقوطها في يد النصارى. فإن كان ما رآه مسجدًا بالفعل، فلعله كان أيضًا من آثار أولئك الأفارقة المسلمين، الذين هبطوا أمريكا قبله بقليل. وأما الغنى الذي تمتع به الأفارقة الماليون، مما وصفه كولومبوس، ووصفه قبله ابن بطوطة، والقلقشندي، والعمري، وآخرون، فمع أنه أوصلهم إلى حواشي العالم الجديد، إلا أنه ظل غنىً «شيئياً»، بلغة مالك بن نبي، رحمه الله، لم يغن عنهم شيئًا في أحوال الحضارة، ومخاضاتها، وأهوالها الجسام. إذ لم يتحول إلى مادة ثورة صناعية، تنتج ما يقابل، ويكافئ، السلاح الأوروبي الحديث، الذي استُخدم في استئصال وجودهم من على التراب الأمريكي!