طقوس الكتابة.. تلك الحالة التي يدخل فيها المبدع أو الكاتب عندما يهم بتدوين تلك الأفكار الغالية التي قد لا تتكرر إن لم يعاملها كما يجب تدوينا وأحيانًا شخبطات على أوراق أو على الهامش.. إحساس طاغٍ مفاجيء لا بد أن يجد مرفأ آمن ينزل عليه بردًا وسلامًا إلى أن تعاد معالجته أو التعاطي معه وفي أجواء سحرية خاصة.. وأحيانًا قد لا تمت للسحر والجمال الظاهري بصلة بل تكون حالة أشبه بالفوضى الخارجية لكن في الدواخل قمة الاتزان والتناغم! وتلك الحالة يمكن أن تكون طقوساً محتمة يعيشها الكاتب أو المبدع ويمكن للبعضين الأمر يأتي وحسب بلا طقوس معينة متى ما جاء الإلهام أنزله على الورق أو على حافة الصحيفة أو صندوق السجائر أو على ظهر المنديل الورقي كما ذكرت غادة السمان في أحد لقاءاتها القديمة وكيفما اتفق خشية أن تطير الفكرة أو نواة الموضوع أو القصة.. وحكى لي الأستاذ إسحق فضل الله في حوار معه أنه يكتب الفكرة لحظة حضورها في أي مكان في منتصف الطريق، يركن عربته ويكتب.. على هامش الصحيفة التي يحمل ومجموع هذه الكتابات والأفكار المتفرقة تشكل مواضيعه وقصصه. وفي مصر القريبة اشتهر الكاتب نجيب محفوظ بمشواره الثابت دقيق المواعيد وجلوسه على المقهى للكتابة.. و يقال إن الشاعر أحمد شوقي كان يكتب في المقاهي على أوراق علب التبغ وكان يترنّم بشعره قبل أن يكتبه. وعرف عن نزار قباني أنه كان لا يستخدم إلا الأوراق الملونة في الكتابة. وقيل إن جابريل جارسيا ماركيز كان يلبس لباسًا أشبه بلباس الميكانيكي (عفريتة) لأنها كما يراها رداء مريح ويقولون إن ماركيز كان يستهلك مئات الأوراق لإنجاز قصة من اثنتي عشرة صفحة! وكان يؤمن بأن وجود الأزهار الصفراء على منضدته تجلب له حظ الكتابة! وهمنغواي لم يكن يستعمل المكتب بل كان يعمل في البرج الأبيض المطل على العاصمة هافنا، والبرتو مورافيا يكتب بروتين ثابت لا يتغيّر كما في الأكل والنوم. هل من يتبع طقسًا في الكتابة أكثر إبداعًا من سواه؟ ونقرأ ونسمع عن تلك الحالة من الفوضى التي يكون فيها بعض المبدعين وفي مختلف المجالات وخاصة الفنانين التشكيليين التي توحي حالاتهم بالتركيز لإخراج الإبداع اللوني على اللوحات؛ هل الحالة تضيف للإبداع شيئاً أم هي بداية الإبداع؟.