طرائفنا مع اللحمة متعددة، منها حكاية الرجل الكبير الذي بعد ان شفي من الملاريا انفتحت نفسه للاكل واشتهى الشية، فاحضرتها ابنته وقالت له وهي تناوله قطعة الشية: - يا ابوي «العضم» ده فيهو مخ.. اطلع ليك المخ؟ فأجاب ضاحكاً مستعجلاً: - يا بنتي انا لاقي ملوه مخ؟! وحكاية رجل آخر بعد ان اكل صحن شية انفرد «بعضم» جانباً لزوم «القزقزة» و«القرمشة» وفي العضم مخ.. وبدأ يحاول إخراج المخ عن طريق الشفط بفمه: وفجأة ودون أن يرغب في ذلك خرج المخ في شفطة قوية لكنه تجاوز الفم والحلق واستقر في المعدة.. فصاح صاحبناً متأسفاً - الكترااابل.. ده ما في القسمة. طبعاً كان نيته ان يستمتع بطعم المخ الذيذ وهو «يتمطقه». نحن شعب له حكمة في اكل اللحم تقول: -كل من اللحم ما جاور العظم. اكيد هذه الحكمة لم تأت من فراغ.. هي عربية قديمة ورثناها.. والذي نحبه فيها اكثر هي انها تمكننا من عمليات النتش والمضغ للحم، ومحاولات شفط المخ إن وجد بالعظم.. أما إن كان العضم «مقرشة» فهي الأمتع بتهشيم الأطراف و«الكدكدة».. وكلها عمليات «اكلية» لا تتأتى لسوى اللحم.. لذلك فإن متعة أكل الشية عندنا في هذا الجانب تختلف عن أكل السجك والكفتة والشاورمة.. تلك جميعها لا تريض الاسنان ولا الفكين بقدر ما تفعله أو توفره الشية «سيدة الطعام». ومن فرط تقديرنا الشديد للحمة فاننا نربي صغيرنا بعد أن يتجاوز سني الرضاعة بقليل ويبدأ «القرم».. نعطيه عظماً مأموناً مدهوناً فيبدأ في عملية «الكدكدة» وهذه أيضاً تقوي اسنانه الحديثة مفضلاً عما تمده به من بروتين.. حتى إذا شب وكبر قليلاً اضفنا له شيئاً من ضنب الخروف الطازج.. لذلك يشب الفتى منا «جحمانا» ومحباً للحمة. ولعل أميز ما يتهموننا به نحن معشر السودانيين هو أكل اللحمة «النية».. هذا ما ننفرد به ونتميز به عن سائر الامم وهو أكل «المرارة» وأم فتفت».. تلك جحمة سودانية خالصة يقول البضع إن لهم الفضل في نشرها وسط بعض جيراننا العرب. وحتى الكمونية ما كانت معروفة لديهم وهذه ثقافة «لحمية» خالص تعود لنا فيها براءة الابتكار «اللحمي»!! وربما يكون من ضمن اهازيجنا أو تراثنا الشعبي الطريفة قديماً: «الفتة ام توم حمتنا النوم عند ناس كلتوم»!! وأهم ما في الفتة كوم اللحم الذي يعلوها والحديث عن الشية ذو شجون يجعلني عزيزي القارئ احاول البدء في لململة ما في الجيب للاستمتاع ولو بسرويس ومعه فحل من البصل وشطة خضرا وليمون بالدكوه وربما تكون انت عزيزي القارئ بعد قراءة هذه الفقرة تبحث عن ذلك، فقط اوصيك بالتلطف بالمخ حتى لا يستقر بالمعدة وتبقى خسارة.