منطلق كل أهداف الهجرة والاغتراب ترتكز على تحقيق حلم الاستقرار بتكوين مأوى يحمي الأبناء من جور الزمان وظلمه عند عودتهم لأرض الوطن والأهل، ولكن عند النظر لواقع بعض المغتربين نجد أنهم يهاجرون وهم يحملون هذه الأماني الطيبة بين جوانحهم نجدها أصبحت نسيًا منسيًا والتي يُرجعها بعضهم إلى عاصفة الغربة الهوجاء وما يحملونه من معاناة واجهتهم في بلدهم ولا يسعون لتكرارها مرة أخرى، بينما آخرون تصبح فكرة الهجرة هي الحل الأمثل لحلحلة جميع الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية منها... قد تصبح مجريات الأحداث تصب في مصلحة بعض الرؤى لمن سلك طريق الاغتراب ويجني الثمرة التي لطالما كان يرجوها بتأمين المستقبل المادي الوفير لأفراد أسرته والقناعة تملأه بأن العودة لا بد منها ولا يذهب باتجاه أن يكون أبناؤه معه لبلد المهجر حتى لا تهتز كل أركان الأسرة بعد غياب الأب عنها، وهنا تصبح النظرة أكثر شمولية لأوجه الاغتراب الإيجابية التي تمتد إلى تحسين الوضع الاقتصادي مع الوضع في الاعتبار الأسرة والانعكاسات التي ستصيبها دون شك بوجودها في بلد الاغتراب من اكتساب الأبناء لعادات سالبة وخطيرة فيتخذ القرار بهجرته وخسارته بالابتعاد عن وطنه وأهله عن أن يفقد أبناءه بهكذا أشياء دخيلة.. وفي ذات الاتجاه هناك البعض الذي يتخذ الظروف الاقتصادية ذريعة قوية باستقراره ببلد الاغتراب بجميع أفراد أسرته والتركيز على نيل العلم وتوفير السكن المريح والعيشة الهنية دون التفكير في تأمين مكان الاستقرار النهائي لأبنائه وعندما تقلب له الغربة ظهر المجن تتخبطه وقائع الحياة العنيفة عند العودة النهائية وهو لم يتخذ خطوات تأمينية لمقبل حياته والتي يجب أن تتضمن السكن الآمن والذي هو من أولويات الحياة والأساسيات غير القابلة للتفاوض أو التنازل عنها.. لماذا يغفل العديد من الإخوة المغتربين هذا المنحى؟ خاصة أن الأوضاع المالية للكثيرين منهم تمكنهم من توفير إن لم تكن كل وسائل الراحة فبعض منها.. أيضاً عدم توفير مصدر لكسب الرزق إن غدرت بهم ظروف دول الهجرة المختلفة سواء كانت حروبًا أو ترحيلاً إجباريا!! الفكرة إن تعمقنا فيها فسنجد لها أبعادًا كثيرة وستؤثر إسقاطاتها على الأبناء وعلى شخصيتهم عندما يصطدمون بواقع عدم وجود الأرضية التي تؤمن لهم الاستقرار في بلدهم وما يُوجه لهم من حديث غير مباشر من حولهم ممن يتهكمون من فائدة اغترابهم إن لم يجدوا مستقرًا نهائياً، وتستمر معاناتهم أكثر خاصة أنهم لم يعتادوا على قسوة الحياة وكانوا يرفلون في رغد من العيش والحياة الكريمة..