«كلو تمام يا سعادتك والأمور تسير على قدم وساق وقضايا المواطنين تجد الاهتمام والعناية الفائقة لحلها على وجه السرعة في وجود إنجازات ضخمة في عدد من المواقع».. تلك كانت عناوين بارزة سبقت زيارة السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إلى ولاية نهر النيل نهاية الشهر الماضي وعُمِّمت بما يشير إلى ذلك بإعلانات عبر الأجهزة الإعلامية المختلفة وبالتالي كلفت خزينة الولاية مبالغ طائلة خلافًا للجهد الكبير الذي بُذل لإظهار المواقع التي شملتها الزيارة بصورة مغايرة تمامًا للوضع الطبيعي لتلك المواقع والواقع الذي ينبني على إخفاء حقائق القضايا والمشكلات التي تعاني منها الولاية بسبب السياسات الخاطئة والمجاملات في كثير من الأحيان ويبدو أن قضايا الأراضي تمثل رأس الرمح فيما ذهبنا إليه وهنا تكشف «الإنتباهة» واحدة من قضايا الفساد بمدينة شندي تتمثل في قضية المثلث والقطعة رقم (159) مربع (6) وسوق الفواكه ولكل واحدة منها رواية وقصة ممتدة بين المحلية ووزارة التخطيط العمراني بالولاية مدخل كبير تمخضت جلسة للمجلس التشريعي بولاية نهر النيل في دورة انعقاده الرابعة عشرة للعام الماضي عن إحالة قرار وزير التخطيط العمراني والمرافق العامة حول نتائج تحقيق أُجري بشأن القطعة رقم «159» مربع «6» بشندي والمثلث إلى لجنة تم تشكيلها من التخطيط العمراني والشؤون القانونية، فقد عكفت اللجنة وفق تقرير تحصلت «الإنتباهة» على نسخة منه إلى دراسة الأمر جلسات مطولة واستمعت إلى إفادات ثمانية عشر شخصًا والحصول على أكثر من «53» مستندًا كانت كفيلة بوضع حقائق وأرقام بكل شفافية أمام المجلس التشريعي من خلال تقرير ضاف ممهور بتقيع رئيس اللجنة مولانا جمال حسن سعيد. جمعية شندي المعتدى عليها على مقربة من المستشفى توجد جمعية شندي الثقافية بحسب التقرير وحديث السيد محمد أحمد أبو جوخ نائب رئيس الجمعية مبينًا أنها مسجلة بسجلات أراضي شندي منذ «1983» وظلت تمارس نشاطها بصورة طيبة حيث تبلغ مساحتها «700» متر مربع، وبموجب قرار لجنة التخطيط لسنة «1992» تمت إعادة تخطيطها ضمن قطع أخرى وتقلصت إلى «535» مترًا مربعًا ومنحت بعقد إيجار إلى جمعية شندي الثقافية وظلت مسجلة بذات الاسم حتى عام «2011م» وجاء في التقرير أن مدير مستشفى شندي خاطب أسرة الشهيد مصعب فايت طالبًا منهم التنازل عن القطعة «159» م «6» أو جزء منها لصالح المستشفى، وعلى الفور وافقت الأسرة المعنية على الأمر وتنازلت عن القطعة بشرط أن تخصَّص لهم مساحة «100» متر مربع لإنشاء صيدلية تحمل اسم الشهيد مصعب، وعليه تم رفع المقترح أو الاتفاق لمعتمد شندي في ذلك الوقت ميرغني عكود الذي بارك الاتفاق، وأشار التقرير إلى أن لجنة التخطيط عقدت اجتماعًا وُصف بالتمريري لأعضاء اللجنة للموافقة ومن ثم رفع توصية اللجنة إلى لجنة التخطيط الولائية والتي صدقت بموجب القرار رقم «99/ 2011م» على تغيير غرض القطعة «159» إلى مبنى الحوادث التابع لمستشفى شندي وصيدلية باسم الشهيد مصعب حيث خاطب مدير أراضي شندي كبير رؤساء تسجيلات أراضي شندي بتنفيذ القرار والذي خاطب بدوره لجنة التخطيط بالولاية موضحًا أن القطعة المعنية مسجلة باسم جمعية شندي الثقافية وأن تنفيذ هذا القرار مربوط بمعالجة تسجيل الجمعية وإعادة القرار لهم. عطاء من لا يملك وزير الشؤون الاجتماعية المكلف خاطب رئيس تسجيلات شندي يفيد بتنازل الوزارة عن القطعة رقم «159» لصالح مستشفى شندي وتم إرسال تفويض من الوزارة لأحد منسوبيها بشندي لتكملة إجراءات التنازل والتي أفضت إلى تسجيل القطعة باسم حكومة السودان بدلاً من جمعية شندي، وبموجب ذلك أصدرت التسجيلات أورنيك رقم «10» لفصل الجزء الخاص بالصيدلية والمستشفى حسب الاتفاق لتصبح القطعة «159» قطعتين حملت الأرقام «159/ 6» و«159/1» وبموجب عقد إيجار للقطعة «159/ 1» والإعلام الشرعي رقم «23» لعام «2012» تنازلت ورثة الشهيد مصعب عن القطعة إلى أمير فايت. تنازل لا معنى له من المؤكد أن القطعة أعلاه مسجلة باسم جمعية شندي ولا علاقة لأسرة الفايت بها لكي تتم مخاطبتهم بواسطة مدير المستشفى أو مدير وزارة الصحة للتنازل عنها وأن هذا التنازل ليس له قيمة قانونية، وكشف تقرير المجلس التشريعي أن المدير التنفيذي لمحلية شندي دعا لاجتماع تمريري للجنة التخطيط لإجازة تنازل الأسرة المذكورة للمستشفى وقامت برفع توصية إلى لجنة التخطيط بالولاية دون أن تتحرى من صحة ملكية القطعة المعنية، كما أن لجنة التخطيط بالولاية هي الأخرى لم تتحرَّ من الدقة باتخاذها قرارًا رقم «99» وهذه مخالفة حسب نص المادة «33/1» من قانون التخطيط العمراني للعام «2008م». خطأ فادح لوزير الصحة كما أن وزيرة الصحة المكلفة قامت بالتنازل باعتبار أنه لا توجد جمعية مسجلة باسم جمعية شندي الثقافية وفات على الوزيرة أن الجمعية مسجلة بموجب قانون الجمعيات الثقافية لسنة «2006م» ولم تسجل كمنظمة طوعية بما يؤكد أن تنازل وزارة الشؤون الاجتماعية لا قيمة له كما أن قرار لجنة التخطيط رقم «99» والقاضي بتغيير غرض القطعة المعنية صدر بتاريخ «6/4/ 2011» ولم يتم تسجيل القطعة في اسم حكومة السودان إلا في تاريخ «20/11/2011» وكشف التقرير أن مساحة القطعة «59/1» التي خُصِّصت لصيدلية الشهيد مصعب مساحتها «70» مترًا مربعًا إلا أن البناء القائم الآن تجاوز هذه المساحة، وأشار في ذلك إلى عقد موثق من الإدارة القانونية بين مدير مستشفى شندي وأسرة الشهيد مصعب فايت ووصف التقرير هذا الإجراء بالبادرة الدخيلة على الخدمة المدنية. تسيُّب مهني لم يقف الأمر عند كل هذه التجاوزات بل لاحظت اللجنة أن هناك تسيبًا مهنيًا وإداريًا ذلك أن الإدارات المتخصصة من أراضٍ ومساحة لم تتبع الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بتسليم القطعة المذكورة ولم تتابع الإجراءات حسبما هو منصوص عليه في تصريح البناء مما أدى إلى زيادة المساحة المشيدة عليها الصيدلية بل إن الصيدلية شيدت من عدة طوابق دون تصديق ودون تحصيل فرق التحسين المنصوص عليه قانونًا ولم يحدَّد موقع الصيدلية. إجراءات باطلة توصلت اللجنة من خلال التقرير أن تلك الإجراءات باطلة وأوصت بأن يقوم مدير أراضي الولاية ووزير التخطيط العمراني بممارسة سلطاتهما المنصوص عليها في المواد «43» و«30/ 6» من قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة «2008م» وإحالة تقرير اللجنة لمدير الإدارة القانونية لاتخاذ إجراءات قانونية على أن تتولى سلطات الأراضي تمثيل الولاية في الدعوى الجنائية، وطالبت في الوقت ذاته وزير التخطيط بمحاسبة المتسببين في كل هذه الأخطاء غير أن الأستاذ محمد الحسن بابكر المحامي أكد أنهم بصدد تقديم طعن للمحكمة ما تتخذ الحكومة الإدارية لإبطال هذه الإجراءات مبينًا أن هناك أخطاء جملة تسبَّبت فيها العديد من الجهات لا بد من محاسبتها. مثلث شندي مثلث برمودة يقع شمال البنك الزراعي وشمال شرق المستشفى ونتج عن قرار لجنة التخطيط خلال اجتماعها في العام «1992» باعادة تخطيط القطع «159» و«162» و«163» مع إلغاء القطعة «160» والمتبقي من القطعة «159» لتصبح ميدانًا تحت تصرف محلية شندي إلى أن وقَّعت عقد إيجار مع مواطنين لاستغلالها مع مراعاة عدم قيام أي مبانٍ بالمواد الثابتة، ولكن عند بداية العام «2012» تلاحظ قيام مبانٍ بمواد ثابتة حيث خاطب مدير الإدارة العامة للتخطيط العمراني بالولاية المدير التنفيذي لمحلية شندي في العام «2000» فيما توالت خطابات المحلية لإخلاء الموقع تارة بوجود مخالفات وتارة بانتهاء عقد المؤجر على أن يتم إخلاؤه بالقوة الجبرية. لجنة المخالفات كون وزير التخطيط العمراني لجنة لدراسة مخالفات شندي برئاسة مدير أراضي الولاية في «24/4/2012» حيث أوصت اللجنة بإزالة الدكاكين المشيدة على المثلث المعني، وأشار تقرير المجلس التشريعي إلى أن مدير الأراضي خاطب رئيس الدائرة القانونية باتخاذ إجراءات ضد مخالفات الأراضي في وجود بلاغ تم فتحه، فيما عقد اجتماع في سبتمبر الماضي بحضور المعتمد ووزير التخطيط وتم التوصل إلى تسوية قطع المثلث وبيعه للمستأجر بقيمة جديدة، وإذا عجز تتم الإزالة وتسوي المحلية حساباتها معه وتتخذ ما تراه مناسبًا، وعلى خلفية هذه النتائج صدقت لجنة بالولاية للتخطيط العمراني على تخطيط المثلث إلى ثلاث قطع، وهذا يشير إلى جملة من المخالفات من بينها إقامة مبانٍ ثابتة على ميدان موضع نزاع وخرق للعقد إلى جانب تقاعس المحلية في إزالة المخالفة إلى جانب تجاهل الجهات الإدارية بعدم تجديد عقد الميدان إضافة إلى أن لجنة التخطيط بالولاية قد ارتكبت عدة مخالفات وفق ما ذكره التقرير خاصة لرفضها التصديق بتغيير غرض الميدان إلى مغسلة كما أنه تم التحصيل بواقع المتر «1000» جنيه توقيع العقد مع شخص آخر غير المشتري المحدد في قرار وزير التخطيط ولم يتم تحصيل فرق التحسين على الدكاكين المقامة، وخلص التقرير إلى أن اللجنة المكلفة اجتمعت مع المسؤولين عن لجنة التخطيط الولائية ثم مع وزير التخطيط وقد أقر الجميع بخطأ الإجراءات المثلث ووصف التقرير إدارة الأراضي بالولاية بأنها عشوائية وطالب المجلس التشريعي على ضوء ذلك وزير التخطيط باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلغاء قرار لجنة التخطيط رقم «340» واتباع الإجراءات القانونية لتغيير غرض الميدان حسب ما جاء في المادة «4/7» من قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة «2007». سوق الفواكه عصير الفساد في عام «2006م» أعلن اتحاد تجار الفواكه بمدينة شندي عن تشييد سوق مركزي لتجارة الفواكه إلا أنه توقف مبكرًا وأصبحت مبانيه عبارة عن حظائر ومرابط للحمير، وطوال ست سنوات ظل التجار يتساءلون عن أسباب توقف المشروع، وعن مصير الأموال التي دفعوها، ويقول التاجر صلاح محمد إن المحلية في مرحلة لاحقة منحتهم إيصالات مبدئية لتوريد مبالغ الدكاكين إلى خزانتها، ويقول إنهم لم يفعلوا وذلك لأنهم طالبوا بمعرفة تكلفة تشييد دكاكين السوق المركزي. ما عندي كلام وكانت إحابة رئيس اتحاد تجار الفواكه عودة محمد نصار غريبة حينما اتصلت عليه وعرَّفته بنفسي وطرحت عليه تساؤلات حول السوق المعني فرد عليَّ غاضبًا «شوف الزول الرسلك يجاوب ليك وانا ما عندي ليكم كلام»، أما المدير التنفيذي للمحلية عباس إدريس فقد أكد أن مشروع السوق المركزي للفواكه تم خارج نطاق المحلية، وأن الاتحاد هو من تحصل الأموال واستحوذ على قطعة الأرض ثم بدأ في عمليات التشييد، على أرض غير مسجلة وحرصاً على حقوق المواطنين ورغم عدم قانونية خطوة التشييد، عملنا على معالجة الأمر، وذلك بإحضار مقاول ومهندس لتقدير تكلفة العمل الذي تم وضع تكلفة ما تبقى من العمل، وطالبنا الاتحاد والتجار بتوريد الأموال للمحلية حتى تشرف على إكمال المشروع، ولكن حدث تباطؤ وتراخٍ من جانبهم. المعتمد يطبق الصمت لاستجلاء الأمر والوقوف على كل هذه التداعيات حاولنا الاتصال بمعتمد شندي حسن الحويج إلا أن هاتفه لا يرد. من المحرِّر شندي التي استضافت مهرجان السياحة والتسوق قبل أيام وصرفت لأجله أموالاً طائلة ونال اهتمام أجهزة الولاية والمعتمد كما لم يهتم بقضايا الولاية ومحلية شندي التي تعج بالكثير منها ها هي تتنسم رائحة فساد الأراضي بدلاً من السياحة المزعومة والتنمية المدَّعاة وترك الحبل على الغارب قطعًا سيغرقه، نقول المجلس التشريعي وبتقريره الضافي حول هذا الفساد قد برّأ ساحته، بقي أن تتولى الأجهزة التنفيذية مسؤوليتها لحسم كل من تسول له نفسه التلاعب بأموال وممتلكات الشعب مهما كان حجمه ووضعه.