ماذا حدث بعد مرور عام على إعلان البشير تحرير الخدمة المدنية من سياسة «التمكين»?..في دولة المشروع الحضاري: تسويق «الخمور والبنقو» بواسطة عربات حكومية عرض وتحليل: أحمد يوسف التاي لا يزال الشارع السوداني يذكر اللقاء النادر الذي جمع الرئيس عمر البشير بقيادات الخدمة المدنية في يوم «6» فبراير «2012م»، والذي أعلن من خلاله رئيس الجمهورية تحرير الخدمة المدنية من «غول» سياسة التمكين التي دمَّرت الخدمة المدنية وأدخلتها غرفة الإنعاش لتواجه شبح الموت السريري ؛ وأشار البشير وقتها إلى أن «التمكين» سيصبح بعد الآن لكل شرائح الشعب السوداني دون محسوبية باعتبار أن سياسة التمكين قد أفقدت الخدمة المدنية رشدها واستقامتها... وأضاف أن وكيل الوزارة هو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة عن الأداء»... ومعلوم أن سياسة التمكين هي المتهم الأول في إشاعة الفوضى بالخدمة المدنية وتشريد الكفاءات وذوي الخبرات، والإتيان بأهل الولاء. قراصنة التمكين الآن مرّ على خطاب الرئيس البشير الذي أعلن فيه بداية تحرير الخدمة المدنية من «قرصنة» التمكين أكثر من عام والخدمة المدنية مازالت ترزح تحت براثن التمكين والمحسوبية، باعتبار أن تسييس الخدمة المدنية من الآفات التي أفسدت مؤسسات القطاع العام في السودان... وقتها كثير من الناس لم يعبأوا كثيرا بالإعلان الرئاسي حول بداية تحرير الخدمة المدنية من قبضة التمكين باعتبار أن إنهاء التمكين وإلغاء سياسة تطهير الخدمة من المناوئين يعني بالضرورة إبعاد قيادات الخدمة المدنية الذين خاطبهم الرئيس أولاً، وهم الذين دخلوا عبر بوابة التمكين ذاتها منذ ربع قرن من الزمان هو عمر حكومة البشير، وهؤلاء أصبحوا إمبراطورية ودولة داخل دولة، وهم بالطبع أهل الولاء وهم الثقاة لذلك كان الأمل ضعيفًا في تنفيذ إعلان تطهير الخدمة المدنية من سياسة التمكين التي هي صنو الفساد بل هي الرئة التي يتنفس بها الفساد نفسه وهؤلاء قطعًا لهم أسلحتهم المختلفة التي سيقاومون بها أية خطوة نحو الإصلاح ومحاربة الفساد الذي فرخته سياسة التمكين ولذلك من الطبيعي أن يستعصي الإصلاح على أي مُصلح وسيقضي «غول» التمكين على كل «الإشراقات» التي تلوح في الأفق ما لم تنحز الدولة كليًا للقضاء على سياسة التمكين التي خلقت إمبراطوريات قامت على أنقاض الخدمة المدنية النظيفة وحصنتها بالشلليات والتكتلات، لذلك يمكن القول إن إعلان تطهير الخدمة المدنية من سياسة التمكين، أشبه بإعلان محاربة الحكومة للفساد، وإذا كانت محاربة الفساد قد استعصت على الحكومة لجهة أن الفساد جزء من حماية النظام كما يرى مدير جهاز الأمن السابق عبد الرحمن فرح، فإن تحرير الخدمة المدنية من «التمكين» سيكون مهمة عسيرة أمام الرئيس لذات الأسباب التي تجعل محاربة الفساد أمرًا صعبًا.. فساد الخدمة المدنية بإجماع كثير من المراقبين فإن الخدمة المدنية تعاني في الوقت الراهن كثيرًا من أوجه الفوضى، وتحمل بداخلها جرثومة الفناء التي تغذت من شرايين المحسوبية، ورضعت من ثدي سياسة التمكين، واستقوت بها فأصبحت أخطوبوطًا تتضاءل بجانبه خطى الإصلاح «الفردية»، وكنتاج طبيعي لحالة الفوضى التي تأخذ بتلابيب الخدمة المدنية في الوقت الراهن، انفجار حالات الاعتداء على المال العام، وتلاعب المسؤولين وعائلاتهم بالعربات الحكومية التي أصبحت مطية لنقل المخدرات، والخمور، وتسويقها عبر منافذ مختلفة بولاية الخرطوم، كما جاء في الأخبار ومن مصادر رسمية ومسؤولة!!! وفيما يلي نورد بعض التفاصيل التي تعكس مؤشرات الانهيار الشامل والفوضى التي تحاصر الخدمة المدنية: أولاً: من أبرز المؤشرات التي تؤكد أن الخدمة المدنية مازالت تعيش أسوأ حالات الفوضى ما أعلنه مؤخرا جهاز الرقابة على العربات الحكومية من مخالفات عديدة تحدث من جانب وزراء وأبناء مسؤولين من خلال استخدامهم للعربات الحكومية، فضلاً عن وجود عمليات نقل «خمور وبنقو» تتم بواسطة عربات حكومية!! وأشار مدير جهاز الرقابة آدم محمد جمعة إلى أن عدد العربات الحكومية الاتحادية يتراوح بين«10 و12» ألف عربة، واتهم لجنة تمليك العربات الحكومية بالفشل، وأقر بقيام الجهاز بتعيين «6» وظائف من بينها «3» لأبناء معاشيين بالجهاز، وكشف جمعة عن جملة مخالفات لأبناء وزراء وأبناء مسؤولين تتم عبر استخدام عربات حكومية من بينها عربة تتبع للبرلمان. ثانيا: ما أعلنه البرلمان عن وجود حوافز تُصرف بالجهاز بطريقة غير قانونية عبر أرانيك غير شرعية وتوعد بمراجعتها بواسطة المراجع العام، وأشار في الوقت نفسه إلى تحقيق يتم في تعيينات بها شبهة فساد تمت بالجهاز، في وقت اعترف فيه مدير جهاز الرقابة بتعدي وزير عليه بمكتبه لحجزه عربة تخصه، واستخدم عبارات غير لائقة في حقه، بينما نادى برلمانيون بقانون جديد رادع ضد من أسموهم بالمتفلتين من أبناء المسؤولين للحد من التلاعب بالعربات الحكومية، فيما شنت عضو البرلمان نائلة عبد الرحمن هجوماً على الجهاز، وقالت إن أبناء المسؤولين يتلاعبون بالعربات الحكومية على مرأى ومسمع من الجهاز ثالثا: في جهاز الرقابة نفسه تلقت لجنة العمل بالبرلمان شكاوى حول وجود مخالفات بالجهاز من بينها وجود رسوم غير قانونية يتم تحصيلها، الفساد في وزارة العمل رابعًا: الصراع الذي يدور حاليًا في وزارة العمل بين الوزيرة إشراقة سيد محمود والنقابة يعطي نموذجًا حيًا لفساد الخدمة المدنية، خاصة إذا اعتبرنا أن الوزارة معنية أكثر من غيرها بتطوير الخدمة المدنية... فالوزيرة التي آلت على نفسها محاربة نوع محدد من الفساد في وزارتها، أول خطوة قامت بها في هذا الصدد أن أصدرت قرارها القاضي بعدم تحصيل الأموال خارج اورنيك «15» من جانب النقابة كأول عتبة في سلم محاربة الفساد فكانت ردة الفعل قاسية من الطرف الآخر حيث أكدت الوزيرة أن هذا قرار فجّر المشكلات الحقيقية التي تواجهها الوزارة من فساد مالي واداري ولفتت الى ان هذه الأموال يتم تحصيلها دون وجه حق وبصورة مخالفة للقوانين، وأكدت أن الإعلان المثير للجدل «إعلان الفتيات» يعد أحد أسباب الصراع الدائر بين الموظفين والهيئة النقابية وبعض قيادات الوزارة خامسًا: الصراع في وزارة العمل كشف أيضًا أن جملة الأموال التي تم تحصيلها بطرق غير مشروعة من جانب النقابة بلغت 300 مليون جنيه في الشهر في حين أن الخدمات التي تقدمها النقابة لا تتعدى «300» مليون في السنة!!! سادسًا: أجواء الصراع أيضًا وضعت مدير إدارة الشؤون المالية بالوزارة هاشم ميرغني في دائرة الاتهام حيث اتهمته وزيرته بارتكاب «14» مخالفة مالية وإدارية أقلها الحصول على مبلغ «26» ألف جنيه شهري عن طريق التزوير.. واكدت ان هذا المدير الذي تقف معه النقابة لحماية اموالها ليس موظفًا بالخدمة المدنية بجانب انه ترقى خلال خمس سنوات من الدرجة الثامنة الى الثانية بتزويره مستندات ووصفت اجراءات تعيينه بأنها أشبة بحادثة «طبيب عطبرة» .!!! ولفتت إلى أن التحقيقات معه أكدت احتياله على الخدمة المدنية، وأشارت إلى أن ملفه السري لفت إلى أنه ليس موظف خدمة مدنية، ونال الترقيات عن طريق تزوير المعلومات. سابعًا: الصراع ذاته كشف عن تجاوزات واحتيالات على قانون الخدمة المدنية وتزوير ترقيات لعدد من قيادات نقابة العمال لم تمر على الوزير المعني، وفي ذات الأثناء كشفت عن تحويل ملفات اثنين من أعضاء النقابة لوزارة العدل والمراجع العام لممارستهما فساداً ومخالفات إدارية تتعلق بإنشاء مكاتب للاستقدام واستغلال سلطاتهما ونفوذهما لجمع أموال من المواطنين بصورة غير شرعية. ثامنًا: في وزارة العمل أيضًا بحسب الوزيرة الأمين العام للنقابة الطيب العبيد قام بتزوير إعادة تعيينه دون المرور على الوزير وتمت ترقيته من الدرجة الثامنة للخامسة في ظرف عامين فقط. وحول هذا الخصوص يقول الكاتب الصحفي الهندي عز الدين رئيس تحرير الزميلة «المجهر السياسي» إن «لوبي الفساد» هو ذاته الذي دفع وزيرة أخرى، مجاهدة ومناضلة، إلى الاستقالة، وليس بسبب رعاية والدتها التي لم تمرض «الليلة» ولا «أمبارح في إشارة واضحة للوزيرة أميرة الفاضل!! ويضيف في غمرة حديثه عن انهيار الخدمة المدنية: وقد رُفضت استقالات من فاشلين وفاسدين من قبل، وقُبلت استقالة وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي «أميرة الفاضل» التي أطاحت برؤوس كبيرة، وعجزت عن مواصلة المشوار لأن «الإيد الواحدة ما بتصفق».. ولأنه فساد يغوص في الأعماق ويعلو بطول الجبال!! والخدمة المدنية «خربانة».. لأن «الديوان» خربان..