يُروى أن مسؤولاً سابقًا ذهب إلى الرئيس نميرى وهو يأمل أن يتم تكليفه بإحدى الحقائب الوزارية وعندما سأله نميري: «الصحة كيف؟» رد الرجل وفي باله الغرض الذي جاء من أجله «مافي أي وزارة تانية ياريس؟» تذكرت النكتة السابقة على وقع تصريحات وأحاديث أطلقها بعض المسؤولين مؤخرًا أبدوا فيها عدم رغبتهم في تبوؤ مناصب بالدولة، يما مضى البعض الآخر إلى أنه لو كان الأمر باختياره لما قبل بالتكليف، ويرى البعض في شيء من الخبث عندما تلوح بوادر ترشح معلومات عن إقالة هذا المسؤول تجده يتحدث مرة أخرى كونه ليس عاطلاً أو امتلاكه مكتب محاماة أو أنه ترك منصبًا في مؤسسة كان يتقاضى مقابله ما يفوق راتب الوزارة أو أن شركاته تتطلب تفرغه وأنه ما جاء للوظيفة الحكومية إلا من أجل خدمة المواطن وتلبية لنداء الوطن.. ففي قمة احتدام الخلافات في قضية التقاوي الشهيرة بين البرلمان ووزير الزراعة د. المتعافي أبدى الأخير عدم سعادته بالوزارة وأعلن لبرنامج «حتى تكتمل الصورة» بقناة النيل الأزرق عدم استمراره فيها، وقال بصريح العبارة «ما فارقة معاي أن أرجع واشتغل في الجزارة زي ما كنت زمان» وأشار إلى أنه من أسرة متوسطة ومعتاد على العمل في أي حاجة وقال إنه لم يقدم طلبًا ليصبح وزيرًا والقيادة السياسية كلفته وكان خارج السودان حينها.. ورغم الزهد الذي أبداه المتعافي وقتها إلا أنه عاد وأكد أنه لن يقدم استقالته نتيجة لما سمّاه بالهراء والكلام الفارغ من بعض الصحف.. بينما يرى مهتمون أن مستشار الرئيس مصطفى عثمان غازل الحكومة في الزميلة السوداني الأسبوع الماضي عندما أشار إلى رفضه منصبًا في الحكومة القادمة ولا التي تليها ثم عاد وأكد أنه رهن الاستعداد لقبول أي تكليف من الرئيس لا سيما إدارته لعدد من الملفات خارج الوزارة حسب قوله.. وبمثل المتعافي الذي عاد من الخارج عندما تم استدعاؤه لم تقدم سناء حمد اعتذارها عن تعيينها وزيرة للدولة بالإعلام وعادت من المدينةالمنورة سريعًا إلى البلاد وهي التي غادرت من أجل تحقيق حلمها وأمنيتها في نيل الدكتوراه في مجال العلوم السياسية، وهي التي وصفت تعيينها بالمفاجأة بالنسبة لها وأنها لم تشاور فيه قط بل اعترفت في حوارها مع الرأي العام بعدم مسؤوليتها عن تحديد معيار اختيارها وطلبت أن تُسأل فقط عن عملها وأدائها، وقالت أنا لم اختر نفسي للوزارة.. ولكن بعض المسؤولين لا يُخفي عدم زهده في المنصب مهما كان ويبدي استعداده لتقبل أي تكاليف توكل إليه دون «كشكرة» وأنه رهن الإشارة لتلبية أي نداء وفي أي موقع كما تفعل مستشارة الرئيس رجاء حسن خليفة التي أكدت للزميلة «ألوان» أنها رهن الإشارة متى ما طُلب منها أداء أي مهمة وأنها ستلبي النداء مهما كان نوع المهمة رغم حنينها لمهنة التدريس التي قالت إنها ستعود إليها ايضًا متى ما أحست بأنها معفاة من أي تكليف. ويصف أستاذ علم النفس السياسي بجامعة الخرطوم د. محمد محجوب هارون الظاهرة بارتباطها بمعدلات الصدق وعدمه مع الذات وتظهر في الفضاء السياسي عند الإسلاميين بشكل خاص وعند النخب بشكل عام، وقال ل«الإنتباهة»: نحن نحمل خلفيات ذات ثقافة إسلامية تقول إن المنصب لا يُطلب وترى فيه تكليفًا وليس تشريفًا ولكنة عاد ورجح أن تكون هناك حركة كبيرة ودؤوبة في الواقع داخل الغرف المغلقة تقودها جماعة سعيًا وراء تقديم نفسها وطلبًا لهذه المناصب، وأشار محمد إلى أن المنصب في الثقافة الغربية يعتمد على الكفاءة والأهلية يُطلب دون استحياء ويسعى طالبه لتقديم نفسه للمخدم بأي شكل من الأشكال.. وتأكيدًا لحضور عامل الثقافة في المسألة يقول هارون «في ثقافتنا طلب الموقع بشكل مباشر مدعاة لتسبيب الحرج» ويدلل هارون على أن ارتباط المسألة بالصدق مع الذات من عدمه برغبة البعض في المنصب ولكن على استحياء، وهنا تعلو درجة عدم صدقيته مع النفس رغم صدقهم في وقت يرون فيه أنفسهم جنودًا تحت الخدمة كما يقول محمد محجوب الذي يرى أن الوضع الحالي يختلف عن السابق بعد أن صار براغماتيًا أكثر مما مضى.