حسين طفل يبلغ من العمر خمسة أعوام، اعتاد هو وعدد من أصدقائه لعب كرة القدم بإحدى القرى الحدودية بولاية كسلا مع الجارة إريتريا، قُبيل غروب الشمس، وفي أحد الأعوام وتحديدًا مع بداية الألفية الجديدة، وأثناء لعبهم لاحظ حسين بروز جسم حديدي غريب مستدير الشكل على سطح الأرض، وبكل الفضول الذي يعتمل بصدره وبصدور الأطفال في هذه السن توجه ناحية الجسم وحاول أن يقوم باستكشافه أو ياليته لم يفعل»، فقد انفجر الجسم الغريب «لغم أرضي»، وأودى بيده اليسرى وقدمه اليسرى فورًا، كما أودى ببعض الارجل القريبة منه من أصدقائه وتحول حسين وبعض من أصدقائه بين ليلة وضحاها لضحايا هذا القاتل الغادر كما يسميه العسكريون، وللأسف الشديد لم يكن حسين وأصدقاؤه أول الضحايا أو آخرهم كما يبدو من الإحصاءات الرسمية للحكومة ولأجهزتها المختصة فيبلغ عدد الضحايا من الأطفال فقط «423» حتى مارس من العام الجاري منذ بدء عمليات زراعة الموت من قبل متمردي الحركة الشعبية ومن لف لفهم أيام التمرد من المتمردين، وتبدو أحيانًا عملية الغوص في هذه الزراعة الخطيرة والدامية والمبكية في كثير من الأحيان غريبة جدًا، وتحملك على الاستغراب فأن تزرع لغمًا في مناطق عسكرية أمر عادي ويتم وفق أعراف عسكرية ووفق خرط معلومة، أما أن تدعي النضال من أجل تحرير مواطني بلدك ثم تزرع لهم الألغام قرب قراهم فذلك أمر لا أستطيع حقيقة توصيفه بأي وصف من الأوصاف، وسأحاول من خلال التقرير القادم التحدث قليلاً بلغة تغلب عليها الأرقام لأبين فداحة وحجم المصيبة التي أصبحت كل دول العالم تشترك في التصدي لها في عمليات صيد مكلفة راح ضحيتها الكثير من صائديها والذين يعملون في ظروف لا يفرق بينهم وبين الموت إلا لطف الله سبحانه وتعالى، فأرجو منكم أعزائي القراء وأنتم تغوصون معي في هذا التقرير أن تتجلدوا قليلاً، فالكثير منه مبكٍ جدًا ومحزن فتصبروا. وحسب تقرير مركز معلومات مكافحة الألغام من يناير 2002م حتى نهاية مارس «2013م» أن الألغام قتلت «556» من الرجال والنساء بينهم 143 طفلاً فيما أصابت 1,325 شخصًا منهم 280 طفلاً وفيما يتعلق بالمناطق المتأثرة بالألغام بلغت 256 خطرًا مسجلاً و عدد 1,997 خطرًا تمت إزالته يشمل «1,664» منطقة خطرة و«151» منطقة مشتبهة و182 حقل ألغام. وذكر التقرير أن المساحات التي تمت نظافتها حتى شهر مارس 2013م بلغت 85,183,608 أمتار مربعة وقُدِّرت المساحات التي تم إلغاؤها بواسطة المسح العام ب 29,194,210 بينما تم التخلص من الذخائر في مساحة 1,773,018 مترًا مربعًا بجانب 2,083,004 متر مربع مساحات تم إلغاؤها بواسطة المسح الفني. أما مخلفات الحرب التي تم تدميرها فبلغت 53,197 ذخائر أسلحة كبيرة و392,836 ذخائر أسلحة صغيرة بجانب 8,773 لغمًا مضادًا للأفراد و2,775 لغمًا مضاد للدروع وفيما يتعلق بالتوعية بمخاطر الألغام أكد التقرير عن توعية 2,438,144 من الأفراد في المناطق المتأثرة بينما تم تقييم 29,905 كيلومترات من الطرق. وكشف التقرير أن عدد القتلى في ولايات الشرق الثلاث وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور حتى مارس بلغ «556» قتيلاً بينهم أطفال ونساء فيما بلغت الإصابات في تلك الولايات «1325» مصابًا. وذكر مدير عام المركز القومي لمكافحة الألغام العقيد صلاح بشاشة ل«الإنتباهة» أن الألغام لا تزال موجودة حتى الآن وذخائر غير منفجرة ومخلفات حرب في تلك المناطق وصفها بأنها خطر على الإنسان ومهدد للأمن القومي وأن تكلفة العمل كبيرة لا يتسطيع السودان أن يوفرها وحده لكن باعتباره عضوًا في الأممالمتحدة وعضوًا في اتفاقية أتوا لمكافحة الألغام يسعى للحصول على الموارد المالية من الدول الأعضاء التي التزمت في أتوا بمساعدة الدول الأعضاء التي تعاني من الألغام في أراضيها، وفيما يتعلق بعمليات إزالة الألغام أكد أن عمليات إزالة الألغام بولايات شرق السودان الثلاث تتواصل خاصة في ولاية كسلا التي اكتسبت أهمية كبرى في خارطة العمل الإنساني في عدد من مناطقها، لأنها كانت مسرحًا للقتال بين القوات الحكومية والحركة الشعبية والمعارضة، فشكلت بدورها هاجسًا للإنسان وعائقًا أساسيًا لعمليات التنمية في حين اكد أنه رغم الجهود الكبيرة المبذولة في ولاية كسلا، إلا أنه مازال ينتظرها الكثير حتى يتم تحقيق إعلان الولاية خالية من الألغام بحلول عام «2014». ويرى صلاح أن خطة المركز القومي لمكافحة الألغام لعام 2013 بدأت بولاية كسلا نسبة لارتفاع معدل التلوث ومخلفات الحرب وبالرغم من إنجاز خطة عام 2012 على أكمل وجه إلا أنه سيواجهها بعض القصور بسبب عدم توفير الدعم لعملية الإزالة، وقال دفعنا «7» أتيام لولاية كسلا للعمل ب طوقان بمحلية تلكوك ومحلية باو بالنيل الأزرق وعد أقلوب ريفي كسلا مشيرًا إلى أن العمل سيتواصل بهمشكوريب وحمداييد ورساي لأنها تعتبر من أكبر المناطق التي يوجد بها مخلفات وعمليات إزالة للألغام منوهًا بأنه إذا تضافرت الجهود وتم توفير التمويل اللازم لتنفيذ الخطة نكون قد وصلنا إلى نسبة «95%» من إزالة الألغام ومخلفات الحرب بولاية كسلا موضحًا أن هذا العمل يتم عبر توجيه من رئيس اللجنة العليا ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين واعتبر أن عملية مكافحة الألغام عمل إنساني وتحدٍ كبير ومسؤوليتنا ونحن قادرون على تذليل العقبات لإعلان السودان خاليًا من الألغام ومخلفات الحرب مطالبًا بضرورة تضافر جهود كل الجهات ذات الصلة بعمليات إزالة الألغام في السودان .