قطاع كبير من الشعب الأمريكي، وأيضاً من العالم، يجهل ماهية (الوقف) الوطني للديمقراطية. والذي هو عبارة عن منظمة تفعل تماماً عكس كما يوحي به اسمها. (الوقف) من (أوقاف). أنشئت منظمة (الوقف) الوطني للديمقراطية في بدايات الثمانينات في عهد الرئيس رونالد ريغان. وذلك على خلفيات الإكتشافات المشينة لعمليات المخابرات الأمريكية CIA في النصف الثاني من السبعينات. حيث شهدت السَّبعينات حقبة فضائحية من أعمال الإستخبارات. إنبثقت عن تلك الحقبة الفضائحية سلسلة من المخازي والفعاليات المختصة بمراجعة فضائح المخابرات والتحقيق فيها. في ذلك السياق تظهر فضيحة (ووتر غيت) ولجنة شيرش (مجلس الشيوخ) ولجنة بايك (مجلس النواب) ومفوضية (روكفلر). حيث شكّل الرئيس الأمريكي تلك اللجان والمفوضيات، لتنهمك كلّها في التحقيقات التي تختص بممارسات وكالة المخابرات المركزية CIA. بعد أن باشرت تلك اللجان مهامها، كان في كل يوم جديد يتم اكتشاف فضيحة جديدة من فضائح CIA، لتصبح مانشيتًا في الصحافة ونشرات الأخبار. كانت تلك الفضائح مخيفة وإجراميَّة. أصبحت CIA حينها بصورة متزايدة تكتسب سمعة سيئة، وصارت تسبِّب للحكومة الأمريكية حرجاً كبيراً. في ذلك السياق كان لابد (من عمل شيء ما) ينقذ الموقف. ويخرج الحكومة الأمريكية من ورطتها. ولكن ذلك (العمل) الذي تمّ القيام به لم يكن بغرض وقف الممارسات الفضائحية الإستخبارية المخيفة. بالتأكيد لا. حيث أن (العمل) الذي تمّ القيام به، كان عبارة عن تحويل عدد كبير من تلك الممارسات الإستخبارية الفضائحية المخيفة لتتولَّى القيام بها منظمة جديدة، تمّ إنشاؤها خصيصاً للقيام بتلك المهام الإجرامية سيئة السمعة. وتمّ اختيار اسم جذاب لتلك المنظمة الجديدة التي أوكلت إليها مهام العمليات الفضائحية المخيفة لوكالة استخبارات CIA. الإسم الجذاب للمنظة الجديدة هو (The National Endowment for Democracy الوقف الوطني للديمقراطية). الفكرة المركزية للمنظمة الجديدة التي يُرمز إليها ب (NED) ، هي القيام بصورة علنية نوعاً ما، بنفس المهام التي كانت تقوم بها وكالة CIA بصورة سرية لعدّة عقود. وهكذا كان من المأمول أن يتمّ القضاء على الصورة السيئة التي ارتبطت بالنشاطات السِّريّة ل(CIA). كانت فكرة (الوقف الوطني للديمقراطية) رائعة من روائع السياسة والعلاقات العامة والسخرية!. هكذا في عام 1983م تمّ إنشاء منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) بغرض (دعم المؤسسات الديمقراطية في العالم من خلال الجهود الخاصة غير الحكومية). يلاحظ هنا أن صفة (غير الحكومية) هي جزء من الصورة الذهنية التي رسمتها السلطات الأمريكية لمنظمة (الوقف الوطني للديمقراطية). يلاحظ أن صفة (غير الحكومية) هي جزء من الأسطورة. في حقيقة الأمر أنَّ كلَّ بنس (الدولار الواحد يساوي مائة بنس) من تمويل (NED) أي (الوقف الوطني للديمقراطية) يأتي من خزينة الحكومة الأمريكية الفيدرالية، كما جرت العادة أن تتمّ الإشارة إلى ذلك بوضوح في البيانات المالية، في كلّ عدد صدر من التقرير السنوي للمنظمة. منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) تحب تعريف نفسها بأنها (منظمة غير حكومية (NGO، لأنّ ذلك يساعدها على الظهور في العالم بمظهر المنظمة ذات المصداقية. حيث أن الظهور بمظهر المنظمة ذات المصداقية غير متاح لوكالة تتبع للحكومة الأمريكية. لكن تبقى الحقيقة في أن تصنيف المنظمة (NED الوقف الوطني للديمقراطية) باعتبارها (منظمة غير حكومية) تصنيف خاطئ. لأن منظمة (NED الوقف الوطني للديمقراطية) هي منظمة حكومية قلباً وقالباً. وقد صرَّح (ألن وينشتاين) الذي ساعد في كتابة قانون تأسيس منظمة ( NEDالوقف الوطني للديمقراطية)، صرَّح بكل أريحية عام 1991م بقوله (إن الكثير مما نعمل اليوم تمّ عمله بصورة سريَّة قبل 25 عاماً بواسطة CIA). ذلك يعني أن منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) في حقيقة الأمر تقوم بغسيل أموال CIA، حيث أنها تقوم علناً بتلك المهام التي درجت CIA على القيام بها سرّاً. وقد درجت (NED) في التعامل المالي علي تسليم أموالها إلى (4) جهات فقط. ما هي الجهات الأربع الرئيسية التي تتلقى تمويل (الوقف الوطني للديمقراطية)، وكيف أصبحت تلك الجهات الأربع بمثابة آليات لتوزيع أموال CIA لتسليمها إلى المؤسسات(العميلة) المعنية في داخل وخارج أمريكا، ما هي تلك المنظمات السودانية التي ورد اسمها في قائمة المنظمات التي قبضت أموال (CIA) المغسولة بواسطة (NED) وآلياتها؟.