أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وعملوا من «الحبة قبة» بخصوص سد النهضة أو سد الألفية الكبير كما يكنيه الإخوة الإثيوبيون، وصوروا فكرة المشروع بالفكرة الشيطانية التي تخدم مصلحة اليهود أكثر من كونها فكرة وطنية اثيوبية تنظر في المصالح العلياء للشعب الإثيوبي، وأسهبوا في النقد وتمادوا في التقريع وتوعدوا بتحويل القضية من قضية فنية بسيطة الى قضية سياسية كبيرة ونجحوا في ذلك ايما نجاح متناه، بدليل على مدار هذا الأسبوع ساهموا بصورة او أخرى في شغل الرأي العام العالمي والمحلي للدرجة التي جعلوا منه مجرد رأي لا يعبأ بما حوله الا من قضية سد الألفية او سد النهضة الإثيوبي ، في الوقت الذي تلاعبوا فيه بمشاعر الناس دون أن يحيطوا الجميع بالجوانب المعلوماتية المهمة عن المشروع... فسد النهضة هو مشروع أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجًا للكهرباء وتتجاوز تكلفته أربعة مليارات فاصل ثمانية دولار أمريكي وهو واحد من ثلاثة سدود شيدت في اثيوبيا بغرض توليد الطاقة الكهرومائية وهو أيضًا قيد الإنشاء على النيل الأزرق في ولاية بني شنقول منطقة قماز بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية ويبعد عنها حوالى ى20 - 40» كيلو مترًا، كما أنه يحتوي على «16» توربينًا سعة كل واحد منها «375» ميجاواط، وطاقته الإنتاجية «6» آلاف ميجاواط، ويبلغ إنتاجه السنوي من الطاقة الكهرومائية «15» مليار كيلو واط ساعي... متفوقًا بذلك على السد العالي في مصر الذي تبلغ طاقته الإنتاجية «2100» ميجاواط ويبلغ انتاجه السنوي «10» مليار كيلو واط ساعي... كما أن آثاره السالبة ليست باهظة التكلفة مثل آثار السد العالي، بمعنى أن بحيرة ناصر عندما أنشئ السد العالي غمرت قرى نوبية كثيرة في مصر وأكثرها في شمال السودان ما أدى الى ترحيل أهلها بما يسمى بالهجرة النوبية، كما أن السد العالي حرم وادي النيل من طمي الفيضان المغذي للتربة وزاد من حدة النحر حول قواعد المنشأة النهرية وساهم على تأكُّل شواطئ الدلتا حتى أشارت بعض التقديرات العلمية أن التبخر في بحيرة مياه ناصر خلف السد العالي كبير باعتبار تعرض مساحات واسعة من المياه للشمس في مناخ حار جدًا تقدر حجم الخسائر فيه بما يعادل حصة العراق من نهر الفرات، إضافة إلى انتشار بعض النباتات وتأقلمها مع الظروف الجديدة وإسهامها في عملية النتح وبالتالي مزيد من الخسارة في المياه ... عكس سد النهضة الإثيوبي فآثاره السالبة تنحصر فقط وفق الدراسات الكثيرة التي أُجريت له وخاصة دراسات مكتب الاستصلاح الأمريكي عند مساهمته الحثيثة في تقليل حصة جمهورية مصر العربية من مياه النيل، وليس له أي آثار جانبية او سلبية على السودان بالعكس يمثل الدور الإيجابي بالتحكم في الفيضانات التي تصيب السودان عند خزان الرصيرص، ويساعد على تخزين طمي النيل الأزرق الذي يقدر بحوالى 420 مليار م3 مما يطيل عمر السدود السودانية والسد العالي، كما وانه يخفف من حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة ناصر بمصر والتي تسبب بعض الزلازل الضعيفة، ويساهم أيضًا في تقليل التبخر نتيجة وجوده على بحيرة السي على ارتفاع 750 650 متر فوق سطح البحر ... وستكون اثيوبيا صاحبة المشروع من أكبر المتضررين من الآثار السالبة لهذا السد فقد تغرق بسببه حوالى نصف مليون فدان من أراضي الغابات والأراضي الزراعية القابلة للري والتي تعد نادرة في حوض النيل الأزرق وستغرق بعض المناطق التعدينية وبعض مناطق المحاجر، وسيهاجر نحو 30 الف مواطن من منطقة البحيرة، كما أن العمر الافتراضي لهذا السد سيكون قصيرًا مقارنة بالسدود التي على المصب نتيجة الأطماء الشديد وما يتبعه من مشكلات كبيرة لتوربينات توليد الكهربا وتناقص في كفاءة السد ... لهذا لا وجود لمسوغات منطقية كافية تجبر الذين يعارضون فكرة إنشاء السد على نصب السرادق وتقبل التعازي القلبية الحارة التي تواسيهم فيما اعتبروه مصابًا جللاً ستكون نتائجه المستقبلية كارثية بالنسبة لهم، فسد النهضة أو سد الألفية الإثيوبي ما هو الا مجرد سد مثله مثل العشرات من السدود الإفريقية التي لا تسمن ولا تغني من جوع القارة للطاقة الكهرومائية .. كما ان من حق الشعب الإثيوبي التصرف بمنتهى الحرية فيما يملك من موارد مائية مثله مثل الذين يمتلكون نصيب الأسد من الحصص المائية التي أصلاً تنبع من إثيوبيا.