لا يخفى على أحد واقع الدراما السودانية التي بات مأزومًا بسبب نقص الإمكانيات المادية وضعف القدرات وفقدان الموهبة، فالإنتاج الدرامي تشوبه أشياء عديدة تدخل فيها طقوس محددة تعمل على إجهاض العمل الدرامي. وفوق ذلك كله نجد كلية الدراما والموسيقا بجامعة السودان تفتح أبوابها كل عام لتستقبل عددًا مقدرًا من الطلاب الذين يلجون لهذا التخصص وهم يأملون في الحصول على شهرة من خلال العمل الدرامي بالفرقة القومية للتمثيل أو إيجاد سانحة لوظيفة في إحدى المؤسسات ذات الصلة بالتخصص، إلا أن أحلامهم تلك سرعان ما تتبخر فور التخرج بسبب ضيق أو انعدام فرص العمل في مجالهم، لتبقى الحصيلة إهدار الوقت والمال دون جدوى. إذن أين يذهب خريجو كلية الدراما والموسيقا في ظل الوضع الراهن، وكيف يمكن أن تُحل الأزمة؟؟ (نجوع) تطرقت للقضية ووقفت مع أهل الشأن، فماذا قالوا: فوضى ضاربة بأطنابها الدكتور عز الدين هلالي أستاذ بكلية الدراما والموسيقا جامعة السودان أفصح في حديثه ل(نجوع) عن الإشكالية التي تواجه خريجي كليات الدراما والموسيقا موضحًا أن الطالب يختار مستقبله المهني وفقًا لمختصر (رفق) وهي التي تعني (رغبة فرصة قدرات) فدائمًا الفرصة تقف عائقًا أمام المواهب إن كان قراره الشخصي أو قرار الأسرة، فلا يوجد في دولتنا تخطيط لاستيعاب كليات الفنون بما فيها كلية الموسيقا والدراما. كما أكد أءن مجلس المهن الموسيقية والمسرحية برغم تقدمه وتحضره إلا أنه يفتقر للوائح والقرارات التي تحدد الوصف الوظيفي للذين يمتهنون هذه المهنة، ومن ثم لا يحق لأي مسرحي بعد تخرجه أن يزاول المهنة ما لم يتم تسجيله في المجلس وفقًا لهذه الشروط. وكشف هلالي عن أنهم يعانون من فوضى ضاربة بأطنابها متمثلة في عدم وجود مؤسسات تستوعب العدد الكبير من خريجي كليات الدراما، وتساءل: هل يُعقل أن نستوعب كل عام عددًا كبيرًا من طلاب الدراما والموسيقا دون أن تكون هنالك رؤية واضحة تحدد مستقبلهم العملي؟ مضيفًا أن ذلك يعتبر هدرًا للمال والوقت معًا. ودعا الدكتور عز الدين هلالي لأن يكون هنالك تكامل بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم حتى يتم استيعاب الخريجين إضافة للعمل الخاص لغيرهم. كما أن معظم خريجي الدراما والمسرح يعملون في مجالات أخرى إلا أنهم برزوا فيها وذلك لطبيعة الدراسة التي أهّلتهم والتي تهتم بالتعليم الذاتي وليس التلقين، وهذا يعني استنفار مدارك المتعلم. وختم هلالي حديثه بأن الكلية مسموح لها باستيعاب (40) طالبًا فقط لكل قسم من كل عام، وأثنى على بروفيسور هاشم علي سالم الذي في عهده تمكنت كلية الدراما والموسيقا من السير في الطريق الصحيح إذ يتعامل البروف مع مبدأ الموهبة، بل يمكن أن يُدرس طالبًا واحدًا إذا توفرت لديه الموهبة. دفعات تتوالى وإن كان دكتور هلالي قد كشف عن الأزمة التي باتت تؤرق هؤلاء الخريجين، إلا أن دكتور فيصل أحمد سعد المحاضر بنفس الكلية كان رأيه مختلفاً؛ ففيصل يرى أن الخارطة الثقافية في السودان من دراما ونقد وفنيات ومسرح وما إلى ذلك، كل هذه الأجهزة يقف عليها خريجو الدراما والمسرح، ويضيف أن الكلية تأسست في العام (1969م) وكانت أول دفعة قد تخرجت منها في العام (1973م) وبعدها أصبحت الدفعات تتوالى، وتساءل الدكتور: أين ذهب كل هؤلاء الخريجين؟ وأجاب قائلاً: منهم من انتظم في السلك الوظيفي في الدولة وعمل في وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة وغيرها، كما أن هنالك من يلتحق بالقوات النظامية في سلاح الموسيقا، ومنهم من اكتفى بالعمل الحر، وهؤلاء هم وقود الحركة الدرامية في السودان. وكشف د. فيصل أحمد سعد عن وظائف كثيرة مفتوحة الآن في وزارة الثقافة والإعلام الولائية والاتحادية إضافة لوزارة التربية والتعليم التي تستوعب العدد الأكبر، ومنهم من يذهب إلى المسرح القومي (الفرقة القومية للتمثيل) ومنهم من يغادر إلى خارج السودان ويعمل على قيادة الدفة المسرحية والموسيقية خارج السودان في الدول العربية، ومنهم من استقر في دول المهجر البعيدة عاملاً في نفس تخصصه. د. الفاتح حسين أستاذ الموسيقا بكلية الدراما قال في حديث له سابق إن الخريج غالباً ما تواجهه ثلاثة خيارات، إما أن يهاجر أو يدخل الساحة الفنية عبر فرق الفنانين وإما أن يكون محظوظاً وتكون هناك حاجة ويتم استيعابه في الكلية.. وقال: حتى نبعد شبح العطالة ظللنا نطالب بدخول الموسيقا للطلبة منذ الصغر، حتى تزيد الحاجة للأساتذة، وأضاف أن أكثر ما يواجه الخريجين أن ما درسوه كوم وما يطبَّق في الساحة الفنية كوم آخر، وإما إن يجاري ما يجده أو يعتمد على علمه ويجلس بدون عمل.. مشيراً إلى أن الفرقة القومية كانت لاستيعاب المتميزين من الخريجين، والآن أين هي.. وقال إن مركز د. الفاتح حسين لتعليم الموسيقا أعطى فرص عمل ل (7 8) خريجين، لكن المسألة تحتاج إلى معالجة من فوق لأن الخريجين أصبحوا يعطون خبراتهم لدول أخرى بعد تعذر الحصول على عمل في الفرق الكبيرة المحترمة، وأبان: على وزارة الثقافة تنشيط دور الفرقة القومية لتسهم في استيعاب الخريجين واستدراك أن ثمة لوماً أيضاً يقع على عاتق الخريجين، حيث تنقصهم الجرأة والمبادرة لعمل فرق خاصة، أسوة بحافظ عبد الرحمن وعثمان محيي الدين وفرقتي الخاصة حيث إن التجربة لم تحوجنا لطلب الوظيفة من أحد. فقدان للخطط وهنالك من يذهب إلى أن الكلية كانت قديمًا (معهدًا للموسيقا والمسرح) والذي تخرج عنه قيادات العمل بالإذاعة السودانية وكذلك رفد التلفزيون بأفضل المخرجين، وخرج منه ألمع نجوم الغناء والمسرح.. لكن يحسب البعض بعد انضمام المعهد للجامعة وتقيده بقوانينها لم يعد الحال كما هو في السابق حيث اختلفت النظم التعليمية أو انهارت كما وصفها أحد الأساتذة السابقين.. فبحسب وصفه لم تعد هناك خطة تلبي الاحتياجات، إضافة إلى أن التوظيف لها أصبح حسب قناعات الدولة، والقبول فيها بشرط النجاح وليس الكفاءة أو الموهبة، والتي كانت نتيجتها عددًا قليلاً ويجد مكانه من التوظيف.