إنَّ كثيراً من المفكرين يرون أنّ الأحزاب التي تعتمد مبادئ الإسلام في الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة وغيرها، يمكن أن تكون وسائل يمارس المسلم من خلالها وظيفته في الأمر العام، كما أنَّ هذه الأحزاب يمكن أن تكون وسيلةً لتربية الأُمة وتوجيهها في التعبير عن إرادتها والمشاركة في شؤونها، فإذا كانت بعض الجماعات الإسلامية قد وصلت إلى السلطة بمناهجها ووسائلها فليس من حقها أن تحرم غيرها ممن وحَّدوا مذهبهم ووضعوا برامجهم في إطار الثوابت العامة ليس من حقها حرمانهم من الوصول إلى الحكم وتنفيذ برامجهم. المشكلة الغائبة عن البعض هي أنّ التعددية السياسية لم تُطرح في الفكر الإسلامي قديماً مع أنّ المجتمع المسلم منذ الاختلاف السياسي في مسألة الخلافة والحكم قد عرف تيارات سياسية قامت على رؤى خاصة في الدين والسلطة، وكان أهل السُّنة والجماعة يمثِّلون حزب الأغلبية، وكانت التيارات الأخرى من شيعة وخوارج تتعايش معهم ويتحاورون، غير أنّهم ماكانوا بعد عهود الإسلام الأولى يعترفون بالانتقال السلمي للسلطة، وإنّما كانت السلطة تنتقل إلى مَن يملك القدرة والثورة على النِّظام القائم، ومع ذلك تميَّز المجتمع المسلم بالتسامح الديني، والتعايش السلمي في ظل التعددية الفقهية والمذهبية. وظلَّ نظام الجماعات السياسية معروفاً في المجتمع المسلم الذي لم يفرِّق بين الدين والسياسة، حيث إنّ الفِرق الكلامية والمذاهب الفقهية لم تخلُ من دوافع سياسية واتجاهات حزبية، فقد كانت تمثِّل برامج سياسية ومشاريع للحكم تعتمد على أرضية الإسلام، وإن كانت تختلف في المناهج والأساليب والمستويات الاجتماعية والرؤى الثقافية والمعرفية. إنَّ الاستبداد قد عطَّل الأُمة من فاعليتها، والمشاركة في شؤونها والنهوض بأعباء الحكم وأمانته لأنّها مصدر السلطات نتيجة لتعطُّل حركة الاجتهاد لوجود العلماء الذين يُبرِّرون وينظّرون للحُكّام والملوك بما يُجذِّر الفردية والتسلُّط، ويحرم الأُمة من حقوقها. وقد سُئل شيخ الإسلام «ابن تيمية» عن جماعة أسسوا حزباً واتخذوا له رئيساً فقال: «فإنْ كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة أو نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك أو نقصوا مثل التعصُّب لمن دخل في حزبهم سواء كان على الحقِّ أو الباطل فهذا من التفرُّق الذي ذمَّه الله تعالى ورسوله أمراً بالجماعة للائتلاف، ونهياً عن التفرقة والاختلاف، وأمراً بالتعاون على البِر والتقوى، ونهياً عن التعاون على الإثم والعدوان». فهو لا يُنكر تحزُّب جماعة قائمة على مبادئ الدين وإن اختلفت منهاجها عن الآخرين كما أنّ هذا الكلام ينطبق على كل جماعة سواء كانت حاكمةً أم خارج الحكم . اتفق على هذا الرأي مجموعة من زعماء الإصلاح أمثال رفاعة الطهطاوي، ورشيد رضا، والكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، وتلميذه محمد عبده، الذي طالب بالتعددية السياسية نافياً الخوف منها على وحدة الأُمة مادام الناس لا يختلفون في أهدافهم ورسالتهم ومبادئهم، وإن اختلفوا في وسائلهم تحقيق طرقهم وأهدافهم، وقد استشهد بأنَّ أُمم الغرب لم تفرِّقها التعددية السياسية إلى أحزاب متباينة وأقسام مختلفة لأنَّها حدَّدت غاياتها الأساسية، ومقاصدها الحياتية، وإن كان للإمام «حسن البنا» موقف مخالف من التعددية فإنّ مواقفه قد نظر إليها من خلال الظروف التي عاشها ونوع الحزبية التي عايشها في مصر، وكان لتطور فكر الإخوان السياسي في مصر أثر في تأويل آراء الإمام البنا، ثم اقتحام الحياة السياسية من خلال أحزاب قائمة، لأنّه لم يسمح لهم بقيام حزب باسمهم ولا تزال تجربتهم تتميَّز بالجُرأة والصدق والاعتدال، بما يمكن أن يكون أُنموذجاً يُحتذى.