لأول مرة في تاريخ المفاوضات مع دولة الجنوب، لا تسلك سلوك العروس المدللة كثيرة الطلبات! فما أن أعلن الرئيس عمر البشير إغلاق خط أنبوب النفط في وجه بترول جوبا، حتى بدأت تبحث عن حلول كان أنجعها الحوار، فدفعت برجلها الأقوى والأكثر جدية د. رياك مشار وأبعدت باقان أموم رجلها صاحب الألغام من واجهة الأحداث. وجوبا كانت قد أعلنت منذ أيام عبر لسان وزير إعلامها أن د. رياك سيترأس وفداً عالياً يشمل الخارجية والداخلية والنفط للقاء حكيم الخرطوم النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه في محاولة لعبور عنق الزجاجة الذي علقت فيه الاتفاقيات التي أجريت بين الخرطوموجوبا في أديس، وفتح على إثرها أنبوب النفط، وهذا ما جعل الخرطوم تلتزم أنها متمسكة بالمصفوفة القديمة، في الوقت الذي لمحت فيه جوبا إلى الحديث في خانات بعيدة عن الاتفاقية لخلق أرض ملعب بعيدة عن نقاط الخلاف، وهو ما رفضته الخرطوم بقوة إلا أن هذا لم يمنع جوبا أن تواصل حديثها عن الحوار، بل أكدت على هبوط مشار الأحد القادم أرض الشمال التي ترعرع فيها وله تاريخ لا يستهان به، بيد أنها جعلت الأمر أكثر رسمية بتسليمها وزارة الخارجية في السودان مقترحاً بشأن موعد زيارة نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار الأحد القادم على رأس وفد وزاري لبحث التطورات في العلاقات بين البلدين. بهذا تكون قد قطعت جوبا الأحاديث بشأن دخول وزارة الخارجية في الخرطوم على الخط، لأن مثل هذه الزيارات تتطلب تجهيزات دستورية بشأن المواعيد، وهذا ما أكده السفير أبو بكر الصديق الناطق الرسمي بوزارة الخارجية في تصريحات إعلامية حول إجراء وزارة الخارجية مشاورات مع رئاسة الجمهورية والوزراء المعنيين لمعرفة مدى ملاءمة الموعد المقترح للزيارة مع برنامج الجهات المعنية، وذلك لوضع برنامج لهذه الزيارة. وطاولة الحوار التي ترغب جوبا في تجهيزها مع الخرطوم سوف تشرف عليها صديقة السودان الثابتة التي تلاقي قبولاً من الطرفين وهي دولة الصين، التي أعلنت سعيها لإعادة الأمور إلى نصابها بين الدولتين، وكخطوه أولى لتكون الكفتان متعادلتين، وموقف الخرطوم الحاسم يكون في وضع قوي سمع مبعوث الصين لإفريقيا شرحاً كافياً من الرئيس عمر البشير حول تداعيات قراره وقف عبور نفط الجنوب عبر الخرطوم. وأكد في نفس الوقت على متانة العلاقات السودانية الصينية وحرص الخرطوم على تطوير هذه العلاقة وتنميتها، وأكد المبعوث حرص دولته على وضع الأمور في نصابها وإعادة الأمن والسلام بين الدولتين. جوبا تبدو جادة في مبادرتها للحوار التي من الواضح حسبما يرى مراقبون أنها مبادرة من د. رياك مشار حتى لا تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في جوبا، وبالتالي تحمل تداعيات أخرى. ويؤكد متابعون أن جدية جوبا تبدو في أنها لم تتبع حديث الخرطوم بغلق أنبوب النفط بعبارات لا مبالية حول البحث عن معبر آخر من دولة جارة، بل مجرد همهمات حول بديل النفط وشكوى لمجلس حقوق الإنسان ثم مبادرة حوار عالية الصوت استقبلتها الخرطوم بحذر ولم تتهافت، وأعلنت أنها لن تتنازل عن آرائها السابقة، وهي مستعدة لإحكام إغلاق أنبوب النفط أكثر مما فعلت الآن في حال أصرت جوبا على عدم احترام دولة الجوار. ولكن دخول الصين على الخط يثير تفاؤلاً لأنها الدولة التي تتعامل مع شمال وجنوب السودان على السواء، ولها مصالح في النفط من المنبع إلى المصب بين الدولتين، لذا ستقرِّب وجهات النظر بكل طريقة ممكنة بعيدة عن الضغوط المجحفة التي تلاقي السودان من الوساطة في كثير من المناورات السياسية، ليبقى السؤال هل ستقلب جوبا هذه الصفحة لتراعي مصالحها في النفط أم سترجح كفة المصالح الدولية التي تكيد للسودان؟ هذا ما ستكشفه زيارة الأفلج صاحب عصا الأسطورة الأسبوع القادم.