تعتبر الصناعة بالمفهوم المعاصر حديثة بالمنطقة العربية لأنه حتى عقد الستينيات كان وباستثناء دولة واحدة لم تكن هناك صناعة تذكر في هذه المنطقة ويوضح الجدول رقم (1) تطور قيمة الإنتاج الصناعي في البلاد العربية بين عامي (1975م 1989م) مقدراً بملايين الدولارات الأمريكية وحصته من إجمالي الناتج الوطني للدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية لعام (1989م) وإلى جانب حداثة الصناعة في العالم العربي وقلة حصتها في الناتج الوطني فإنها تعاني من عدم استقرار مؤسساتها وتكاملها وقد قام العرب شأنهم في ذلك شأن معظم الدول النامية باستيراد أدوات الصناعة ونظم الإنتاج المصاحبة ووسائل التحليل الاقتصادي كنتاج لنظم الإنتاج والتصنيع المستخدمة ومن الناحية الفنية والتقنية فإن الحلول المطروحة أمام الوطن العربي لمجابهة هذه المشكلات البيئية المصاحبة للصناعة بالضرورة لا تخرج عن الحلول التي طورتها الدول الصناعية وتتبع هذه الحلول منهجين أولهما منهج تقليدي يقوم على التجزؤ والتعامل مع ظاهرة التلوث بعد حدوثها وظهورها وثانيهما هو منهج تكاملي شامل يؤكد مراجعة هيكل عمليات التصنيع نفسها ومحاولة إعادة تصميمها أو تصميم بعضها وذلك بغرض منع وتلافي حدوث التدهور أو التلوث البيئيين أساساً أخذًا بمبدأ الوقاية وهذا المنطلق التقني أو الفني وفي ضوء حداثة القطاع الصناعي في المنطقة العربية والصغر النسبي لحجمه وإسهامه من إجمالي الناتج الوطني فإنه في الإمكان ودون صعوبات كبيرة التعامل بنجاح مع الآثار البيئية السلبية للصناعة من خلال فهم متكامل يقوم على الإنتاج الأكثر نظافة وإعادة تدوير الموارد وترشيد استعمالها مستفيدين من تجربة العالم الصناعي في ذلك إضافة إلى هذا الفهم تأتي ضرورة اهتمام الصناعيين والاقتصاديين وتحملهم لمسؤولياتهم الاجتماعية والحضارية حيث إن المصب النهائي لأي نشاط اقتصادي يمكن في خدمته للمجتمع والارتقاء بمستوى معيشة الإنسان ونوعية حياته وهذا يعني أن الأمر لا يتوقف على توفير تقنيات مكافحة التلوث أو تقنيات صناعية جديدة أنظف حيث إن استخدام هذه التقنيات وتطبيقها فقط بل إن استنباطها وتطويرها أساساً في أماكن نشأتها يرتبط باستيعاب المجتمع لمفاهيم أساسية تتعلق بأهداف التنمية وخاصة الطويلة المدى ومتطلبات أفراده وإلى جانب ذلك فإن هناك الإدارة السياسية للمجتمع ولصانعي القرار فيه والرؤية المستقبلية الواضحة لهم للقائمين على التخطيط والاقتصاد وتسود معظم دول المنطقة نظرة فحواها عدم الاهتمام أو الإكتراث بقضايا البيئة وأن هذه القضايا ستشكل أهمية فقط لدى الشعوب والمجتمعات الغنية وأنها من أمور الرفاهية ورغد العيش ولا يقدر عليها سوى الأغنياء ويرجع ذلك كله إلى عدم إدراك العلاقة الأساسية والتكاملية بين البيئة والتنمية واستهداف كليهما لتحقيق متطلبات الإنسان وتحسين نوعية حياته وأن البيئة السليمة مدخل أساسي لا غنى له من مدخلات التنمية وأن العناية بها وحمايتها ضرورة اقتصادية في المقام الأول حيث لا يمكن تحقيق التنمية على قاعدة تتدهور فيها الموارد الطبيعية ويتطلب لتغيير هذه النظرة القاصرة التي تسود معظم دول المنطقة جهد كبير وخاصة من أجهزة البيئة وحمايتها الموجودة والتأكيد من خلال برنامج متكامل على أهمية مواكبة المفاهيم الجديدة التي تسود العالم اليوم في هذا المقام وخاصة فيما يتعلق بالتنمية المستدامة وتلافي الإسراف والهجر والتبديد وربط ذلك كله بمستوى المعيشة لا لهذا الجيل فقط ولكن للأجيال القادمة أيضاً، والعامل الفعال في هذا كله العمل على وجود رأي عام حقيقي واعٍ ومستقل يرى في تكريس هذه المفاهيم والعمل على تطبيقها تحسناً وارتقاء بنوعية حياته وضماناً لمستقبل أفضل لأبنائه وهذا الحل يشكل في حد ذاته تحدياً كبيراً لعالمنا العربي ويجب ألا ننسى أن وجود الرأي والوعي المستقلين على مستوى المواطن وجماعاته دفع بقضايا البيئة إلى مقدمة أولويات رجال السياسة والدولة والاقتصاد في الدول المتقدمة.