يعتبر علم الاجتماع واحداً من العلوم الاجتماعية التي تهتم بدراسة المجتمع، والذي يتكون عادة نتيجة لتفاعل الأفراد مع بعضهم البعض في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، وهو توجه أكاديمي جديد نسبياً تطور في أوائل القرن التاسع عشر، ويهتم بالقواعد والعمليات الاجتماعية التي تربط وتفصل الناس. والمجتمع السوداني شأنه شأن المجتمعات الانسانية الاخري شابته الكثير من التغيرات والظواهر السالبة والايجابية. «البيت الكبير» جلس الى د. الطاهر مصطفي محمد الاستاذ المشارك بجامعة افريقيا العالمية والمتخصص في علم النفس الاجتماعي والتربوي لتشريح بعض الظواهر الاجتماعية التي طفت على السطح أخيراً، ويتناول في دراساته وتحليله نواحي عديدة من الجوانب المختلفة للحياة الاجتماعية، فهو يدرس التفاعلات الاجتماعية والعمليات الاجتماعية والثقافات السائده والتغير الاجتماعي فماذا قال؟ حاورته: منى النور ٭ ما هي اهمية علم الاجتماع في عصرنا الحالي؟ تنبع اهميته من كونه علماً يدرس الجانبين التطبيقي والنظري معا، كما انه يدرس قيم وعادات وتقاليد المجتمع، ويختص بتطوير الحياة الاجتماعية ويحافظ عليها بترقيتها وتطويرها وتنظيم شؤون الحياة في المجالات المختلفة. ٭ هل لعبت مشكلات المجتمع دوراً في خوضك هذا المجال؟ دراستي للمنهج المصري الذي يهتم بالعلوم الاجتماعية والنفسية اوجد في نفسي هوى لدراسة هذا التخصص، وقد منحني فرصة لدراسة المجتمع السوداني عن قرب والتعرف عليه. ٭ الى ماذا تعزو ظهور بعض الإفرازات السالبة في المجتمع كالتحرش بالاطفال والاغتصاب وغيرها؟ في الغالب الافرازات السالبة غير المرغوب فيها يحددها المجتمع الذي بدوره يحدد القيم الاجتماعية وفق عقائده وقيمه، فكلما خرج المجتمع من اطار تلك القيم حدثت تلك النوعية من المشكلات الاجتماعية، وهذا بدوره يقود الى عدم الانضباط، وهنا تدخل التربية والتنشئة ومؤسسات المجتمع، وقد قلت نسبياً في الآونة الاخيرة هذه الظواهر السالبة، وفي اعتقادي العلاج يكمن في مجابهة الثقافات الواردة، فهنالك هجمة شرسة على الثقافات الضعيفة، ومع ذلك المجتمع السوداني مازال بخير. ٭ المدارس الحكومية تفتقر إلى الاختصاصي الاجتماعي والنفسي؟ العمل الاجتماعي والثقافي في بلادنا للأسف تخلف كثيراً عن الستينيات، واليوم بعد الثورة الاعلامية في العالم اصبح من الضرورات، ولا بد من ادخاله ضمن المقررات والمناهج التعليمية، فالطالب مثلاً اصبح لا يملك القرار في اختيار تخصصه الذي يرغب في دراسته، واصبحت الاسر تتدخل في ذلك بصورة مباشرة، واصبح الابناء يتخصصون وفق مفاهيم الأسر، ولكن مقارنة بالجامعات هنالك شيء من الاهتمام، والفضل يرجع للتعليم العالي الذي اصبح يدرس تلك العلوم، وهذا العلم اذا تم توجيهه وفق الدراسات يمكن أن يسهم في التقليل من التسرب في المدارس والتحرش والاغتصاب وغيرها من الظواهر السالبة. ٭ الى ماذا تعزو الظواهر السالبة التي غزت المجتمع أخيراً؟ أعزوها لحركة الضبط الاجتماعي من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ودور الاسر والمجتمع والسلوك الاجتماعي، ففي تربيتنا السودانية نحن مجتمع يتشرب بالدين الإسلامي، فلا بد من المحافظة عليه من خلال الالتزام بالقيم الاساسية، فالعادات والتقاليد والأعراف والقانون كلها معايير اجتماعية، ولذلك عندما تحدث مثل هذه الظواهر يكون هناك ضعف في القيم وعدم رقابة من الأسر، وتظهر عدم اللامبالاة، وهي من الاشياء التي بدأت تظهر بالفعل في المجتمع، ونحتاج الى تداركها بصورة سريعة حتى لا يحدث نوع من التفكك في المجتمع. ٭ ابن يقتل أباه وآخر يقتل والدته.. كيف ينظر علم الاجتماع لمثل هذه الظواهر؟ إذا حدث للإنسان انهيار في القيم يكون شخصاً غير مبالٍ وينبذه المجتمع، وهو شخص لم يترب بالصورة المثلى، وتنشئته بها خلل، والظواهر السالبة سببها نقص في التنشئة الاجتماعية والنفسية للمنحرف، فهو شخص لم يتوفر لديه الغرس الصحيح من القيم، بجانب أن جهاز التربية به خلل، وكما هو معروف فإن الأسرة هي اللبنة الأساسية للفرد، فيجب ان تكون وسائل الضبط حاسمة، فالمجتمع السوداني به تماسك، فلا بد من التفاكر للمحافظة على هذا المجتمع ومجابهة الغزو الثقافي. ٭ أخيراً كيف تقرأ المجتمع السوداني في ظل الغزو الثقافي الذي يتعرض له؟ معروف عن المجتمع السوداني أنه مجتمع متماسك، وهو من أقدم المجتمعات الإسلامية، فقد مر بظروف تاريخية عميقة مكنته من اكتساب العديد من القيم لمواجهة اي غزو ثقافي. ولا بد من محاربة القبلية، ونسعى الى تكوين الدولة القومية بالمحافظة على القيم وترسيخها عبر وسائط التنشئة والضبط الاجتماعي.