قال والي الخرطوم إن السيول التي قضت على الأخضر واليابس في ولاية الخرطوم لا تصل الى مرتبة الكارثة. ولكن الواقع يخالف ما ذكره والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر، لأن خسائر المواطنين في الممتلكات والأرواح تقول إن السيول والأمطار أحدثت كارثة حقيقية يتحمل فيها والي الخرطوم ومعتمدي المحليات الجانب الأكبر. لأن تخطيط الأراضي الذي تقوم به الولاية منذ فترة كان من المفترض أن يعمل على إزالة مئات البيوت التي تقع في مجاري السيول خاصة في منطقة شرق النيل، خاصة أن الوالي الدكتور عبد الرحمن الخضر كان قد أعلن تحمل ولايته لكل الأضرار التي تقع بسبب التخطيط الذي شرعوا فيه. وإن كان الوقت غير كافٍ للإزالة كان عليهم أن يفعلوا ما فعلوه الآن ويفعلونه من شق للخيران وفتح للمصارف لتصريف المياه منذ وقت مبكر. لأنهم حضروا متأخرين وبعد انتهاء مراسم العزاء. وكلنا نذكر جيداً كيف أن تصريحات الإرصاد كانت قد ذكرت قبل موسم الأمطار بوقت كافٍ أن معدل الأمطار سيكون أكبر من معدل العام السابق، ولكن مضت تلك التصريحات دون أن يلتفت إليها أحد. ورغم تأكيدات ولاية الخرطوم أنها استعدت جيداً لموسم الخريف، إلا أن ما حدث أكد أنها كانت مستعدة لأشياء اخرى ولقضايا أخرى. وكثيرون تساءلوا أين الحكومة وأين ولاية الخرطوم ومسؤولوها. إن مصائب كثيرة وقعت في ولاية الخرطوم ومساحات شاسعة تضررت بسبب السيول والأمطار، ولكن ما حدث بشرق النيل حكاية ورواية، حيث تهدمت مئات المنازل ومات كثيرون إما بسبب السيول الجارفة أو بصعقات كهربائية، وهي قصة معروفة شهدها كل العالم. وإذا سلمنا بأن ولاية الخرطوم بذلت الكثير لتفادي كوارث السيول والأمطار قبل وقوعها فإنها تأخرت وتتأخر حتى الآن في مكافحة الأضرار الحالية باشتراك فاعل من إدارة الكهرباء التي نالت أخيراً تكريماً من قبل البعض، تكريماً أثبتت الأيام أنها لا تستحقه، لأنها حتى الآن بعيدة كل البعد عن المثالية في العمل وفي التعامل. ودعوني هنا أروي لكم بعض المشاهد التي رأيتها بأم عيني خلال الأيام الماضية: اتصلت بالرقم «4848» لبلاغ عن سلك كهرباء انقطع وسقط على مياه الامطار، وبعد جهد جهيد جاءني الرد من الطرف الآخر: مرحباً طوارئ الكهرباء انت بالنمرة «28» ثم دعاء طويل وبعده أنت بالرقم «27» ثم دعاء وابتهالات طويلة وبعده انت بالرقم «20» وهكذا حتى الرقم واحد ليأتيك الرد بأنك الاتصال الاول، ثم ينقطع الصوت لبرهة لتأتيك موظفة استقبال المكالمات، وقبلها تسمع ان هذه المكالمة مسجلة بغرض التدريب، لينقضي وقت طويل، وبعدها تتحدث معك الموظفة عن غرض الاتصال ونوع البلاغ هل هو عام ام خاص بمنزلك، وتدون اسمك، وبعد كل هذه المدة يخبروك بأنهم سيقومون باللازم. وبعد أكثر من أربع وعشرين ساعة رن هاتفي، وكان المتصل كهرباء حلة كوكو واخبرني المتصل انهم يريدون ان يعرفوا مكان السلك المقطوع فاخبرتهم بمكانه، وجاءوا بعد مدة الى مكان الحادث، وفرحت لأنهم وإن تأخروا لاكثر من اربع وعشرين ساعة، الا انهم جاءوا وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي ابداً، ولكن كانت المفاجأة انهم جاءوا للمعاينة فقط، وذكروا لي ان عربة الصيانة ستأتي مباشرة، وكان الوقت في العاشرة من صباح الاحد، وبلاغي كان في التاسعة والنصف من صباح السبت، ولكن عربة الصيانة لم تأت إلا في السادسة مساءً. والعجيب في الأمر أنهم قاموا بقطع الكهرباء من حي النصر مكان السلك المقطوع منذ صباح الأحد وحتى كتابة هذه السطور. والغريب أن مكالمات طوارئ الكهرباء التي من المفترض ان تكون مجانية اكتشفت انها مدفوعة القيمة، فكم هي أرباحها ولماذا يتحمل الموطن كلفة التبليغ عن أعطال خاصة بالكهرباء. إن المطلوب من المهندس اسامة عبد الله ان يصدر قراراً بمجانية اتصال الطوارئ لأن كثيرين قد لا يجدون قيمة ما يتصلون به مما يؤدي الى المزيد من الكوارث نتيجة لعدم البلاغ السريع خاصة في مثل هذه الايام. وكنت اظن انني بمجرد اتصالي في المرة الأولى أن تأتي عربة الطوارئ والصيانة مهرولة للإصلاح وعندما لم يأتوا لأكثر من ساعتين اتصلت مرة اخرى، وبعد نفس الإجراءات المملة ردت علي موظفة اخرى واخذت نفس بياناتي، فقلت لها اريد ان اسألك سؤالاً محدداً هل سقوط أحد الأسلاك في مياه ممتدة في مساحات واسعة هل لا يسبب خطورة للمارة الخائضين في المياه للوصول إلى بيوتهم؟ قالت لي أي سلك من الأسلاك؟ قلت لها السلك رقم ثلاثة، فقالت إنه سلك النار وخطير جداً، فقلت لها إذن لماذا لم يأتوا حتى الآن فلم ترد. إن أوجب واجبات إدارة الكهرباء كان أن تقوم بقطع الكهرباء فوراً في مثل هذه الحالة والوصول الى مكان البلاغ فوراً والعمل على ترميم السلك، لا أن تنتظر لأربع وعشرين ساعة مع بقاء التيار الكهربائي.. ألا تهتم بأرواح المواطنين. إن سكان الحي لم يصدقوا مطلقاً ما حدث، وحتى عندما تم اصلاح الخط المقطوع استغربوا من عدم اعادة التيار الكهربائي، واخبرني منزعجاً احد السكان بأنه وجد معاملة سيئة من شباب صغار قال إنهم يعملون في كهرباء حلة كوكو. وكنت قد حذرت في مقال سابق من بقاء مياه السيول في وسط الأحياء مدة طويلة، وطالبت بشفطها فوراً حتى لا تضر بأعمدة الكهرباء، ولكن المطالبة لم تطبق في كل الأحياء، وذهبت ادراج الرياح، حيث انحصرت في أماكن بعينها كان صوتها عالياً فيما يبدو، وبقيت باقي الاحياء ومنها حي النصر مربع «2» دون أية إسعافات، حيث تهدده المياه والكهرباء من كل جانب. وإذا سلم سكان الحي من مياه الأمطار فإنهم لن يسلموا من المياه الراكدة التي لم تجد لها سبيلاً للتصريف إلا عبر جهد من سكانه، وحتى اللودر الذي استعانوا به لشق مصرف للمياه جمع له السكان بعض الأموال مع أنه يتبع لمحلية شرق النيل. إن ما يحدث في حي النصر مربع «2» هو مثال واحد فقط مكرر في باقي الأحياء حتى لا اختزل القضية في هذا المربع فقط. صحيح أن محلية شرق النيل ومعتمدها الدكتور عمار حامد سليمان بذلت جهوداً مقدرة لدرء آثار السيول والأمطار، ولكن إمكاناتها لا تمكنها من إنجاز العمل بالسرعة المطلوبة لأن السيول في كل مكان واستمرارها مؤكد في ظل توقعات الإرصاد. أما الواقع المظلم الذي لم يره والي الخرطوم بصفته المسؤول الأول عن رعايا الخرطوم فهو الناموس الذي توالد بسرعة في المياه الراكدة، والبعوض الذي أصبح يهدد مناطق شرق النيل بكاملها، وأنا أدعوه لقضاء ليلة في حي النصر تكون الكهرباء فيها مقطوعة والمياه منعدمة. وندعو كل المسؤولين للاستمتاع بطنين البعوض ولسعاته ونقيق الضفادع ولهجاته المنوعة، علماً بأن معظم السكان في حي النصر هجروا بيوتهم وأبعدوا أطفالهم بعد أن شعروا بأنهم غريبون في المدينة، وأصبح رجال الحي يكافحون بالدعاء كما قال الدكتور نافع علي نافع السيل والمياه الراكدة والبعوض والضفادع والمياه المقطوعة، لعل وعسى أن يستجيب الله لهم بعد أن يئسوا من الحكومة.. أما أحياء شرق النيل الأخرى التي تهدمت فقد أصبحت بلا سكان. أيها الناس أنتم الحكومة.