من مواليد حي الهاشماب بأم درمان في العام «1928م»، درس بمدرسة الأحفاد ثم المعهد العلمي، عمل قبل الصحافة «سروجي افرنجي» بدأ مسيرته في بلاط صاحبة الجلالة بمراسلة عدد من الصحف في العام «1949م» ثم عمل بالعديد من الصحف منذ فجر الاستقلال، احتضنت مجلة الصباح الجديد لصاحبها ورئيس تحريرها الشاعر حسين عثمان منصور أول ظهور رسمي له، كمحرر رياضي، وكان من ضمن أعضاء رابطة الصحفيين الرياضيين والتي لم يبق من أعضائها سوى بروف «علي شمو» و«مبارك خوجلي» و«سيد صالح شهلابي».. صار ناقدًا فنيًا واجتماعيًا له صلاته المتميِّزة والوثيقة مع أهل الوسط الفني والرياضي، وساهم بقلمه وجهده في خدمة الفن والرياضة، هو شيخ النقاد الفنيين ميرغني مكي البكري البيلي.. التقته «نجوع» فكان هذا الحوار أجراه: المقداد عبد الواحد - تصوير: متوكل البجاوي * بداية.. أنت صحفي أم ناقد فني، وما هو الفرق بين الناقد الفني والناقد الأدبي؟ - أولاً أنا اُعتبر صحفيًا شاملاً، وأول ما بدأت مسيرتي الصحفية «1956م» كنت أكتب النقد الاجتماعي ثم النقد الرياضي بالمراسلة في مجلة «الصباح الجديد» كما كنت أتردد بصورة دائمة على المقاهي والمنتديات خاصة مقهى جورج مشرقي حيث كنت التقي فيه بأهل الإبداع في مجال الفن من شعراء وفنانين ومسرحيين ومذيعين حيث بدأت تتوفر لي أخبار وموضوعات فنية وكنا نلتقي جميعًا هناك «أي جميع محرري الصفحات الفنية» أمثال سليمان عبد الجليل «رحمه الله» والنعمان علي الله وكنت أمدهم بالأخبار الفنية التي أتحصل عليها من المقاهي والمنتديات، وكان رئيس تحرير مجلة الصباح الجديد حسين عثمان منصور اقترح عليَّ أن أحرر صفحة رياضية وكنت قبلاً أراسل جريدة التلغراف، وكانت أكثر الصحف انتشارًا، وكنت أكتب لها أسبوعيًا تحت مسمى «صور من الحياة» كما كنت أراسل صحيفة صوت السودان، والشيء الغريب أنني كنت لا أدري مكان تلك الصحف التي أقوم بمراسلتها، وأيضًا ومنذ مراحلي الابتدائية كنت شديد الاطّلاع على المجلات المصرية مما وفر لي أرضية فنية وأدبية مكَّنتي من الانطلاق في مجال «النقد الفني أوالرياضي» والذي أسميه صحافة فنية أو رياضية باعتبار أن الناقد لا بد أن يكون متخصصًا، ونحن لسنا متخصصين، وفي العام «1965م» توفي «محمد الحويج » والذي كان مشرفًا على ال صفحة الفنية في مجلة الإذاعة التي كان يرأس تحريرها حسن سعد الدين وكُلِّفت بالإشراف عليها بإيعاز من المرحوم محمد العبيد الذي كان مراقبًا عامًا للإذاعة حيث كانت علاقتي بالإذاعة قد بدأت منذ العام «1956م» وكان السبب هو صديقي علي شمو الذي كان ناقدًا رياضيًا وقتها ومراقبًا لبرامج الرياضة في الإذاعة ورائدًا في هذا المجال، ثم تكونت أول رابطة للنقاد الرياضيين من السادة سيد صالح شهلابي وعلي شمو ومبارك خوجلي وشخصي الضعيف، كما كنت مشرفًا على صفحات فنية في عدة صحف مثل الأيام والسياسة كما أنني أسست الصفحات الفنية في جريدتي أخبار اليوم والدار كما لديّ بصمات في النقد الرياضي في مجلة الصباح الجديد وجريدة الزمان وهي الآن محفوظة في دار الوثائق حيث كانت ال صفحة الرياضية وصفًا للمبارة، وأنا أول من ابتدع الخبر والحوار والموضوع الرياضي وصور اللاعبين والحكام في تلك الصفحات، وفي العام «1957م» أصدرت أول صفحة رياضية في جريدة الزمان، وكان شاهدًا على ذلك الزميل علي شمو.. وعند قيام الإنقاذ توقفت مجلة الإذاعة واستعانوا بثلاثة من محرريها «كان شخصي الضعيف منهم» للعمل في وكالة السودان للأنباء «سونا» حيث عملت سكرتيرًا للأخبار الداخلية ثم الأخبار الخارجية وأخبار الولايات والتحقيقات ومن خلال تلكم المسيرة مارست النقد الرياضي والاجتماعي والفني، وأنا أول من أطلق لقب «الأمير» على صديق منزول «رحمه الله» وعملت في عدد من الصحف منها آخر خبر وأخبار اليوم والدار والكورة وعالم النجوم.. عدد كبير جدًا من الفنانين والشعراء والمذيعين والمذيعات قد وقفت معهم وشجعتهم إلى أن نجحوا حيث وقفت مع الحلنقي ومحجوب شريف وتاج السر عباس ومدني النخلي وغيرهم. * مسيرة طويلة.. بماذا خرجت منها وهل من كتابة مذكرات وذكريات؟ - كنت قد بدأت كتابة مذكراتي وذكرياتي ولكن بطريقة غير منتظمة من خلال زاويتي «ذاكرة الفن» والتي كتبتها في جريدة فنون والحمد لله أملك توثيقًا فنيًا أتى عبر المعايشة الدقيقة لا يملكه السر قدور وأنا شرعت في عمل خطوط لهذه المذكرات وطالبني الكثير من الأصدقاء بأن أصدر كتبًا عن مسيرتي والتي كانت حافلة بالكثير. * تجربتك مع الإذاعة.. ذكريات وأسماء رافقتك؟ - بدءا كنا نرى الزميل علي شمو باعتباره رمزًا للوطنية وأحد المضحِّين في سبيل وطنه حينما استقال ومعه دكتور حسن عباس صبحي من إذاعة ركن السودان في العام «1954م» بسبب الملاسنات الحادة بين الإذاعات السودانية والمصرية، وجمعتني به صداقة وزمالة امتدت إلى الآن، وكنت مغرمًا بالإذاعة والاستماع إليها وكان هو أول من أدخلني إلى الإذاعة في العام «1956م» حينما كانت في بيت الأمانة بالقرب من دار الرياضة، وكانت أجهزة الراديو وقتها محدودة جدًا ولا تتوفر إلا في المقاهي الكبيرة «جورج مشرقي» و«الزيات»، وقد استمرت علاقتي المتميِّزة بالإذاعة والعاملين فيها من لدن مديرها الأول الراحل متولي عيد وإلى المدير الحالي معتصم فضل وإلى الآن أذهب إلى حوش الاذاعة ولي صداقات كثيرة جدًا فيه وأشعر فيه بالراحة أكثر من حوش التلفزيون. * هل جاملت فنانين وأبرزتهم وهم لايستحقون؟ - أولاً وقبل كل شيء لا بد لأي كاتب فني أن يكون صادقًا وأمينًا مع نفسه.. وأنا لا أجامل أبدًا.. وأعرف كثيرًا من الفنانين «المتسلبطين» الفاشلين وكذلك الناجحين كما أعرف عددًا من المذيعين والمذيعات الفاشلين لكني لا أتحدث ولا أكتب عن أن هذا ناجح وذاك فاشل وإنما أحتفظ به لنفسي، ورائد الصحافة المصرية أحمد أمين قال مرة إن بعض ما يعرف لا يُكتب ولا يُقال.. وأنا والحمد لله الصحفي الوحيد الذي له عضوية فخرية في اتحاد الفنانين، كما لي علاقات وصلات متميِّزة جدًا مع أهل الوسط الفني بكل مشاربه.. وقد أراد الله لكل من ساندته ووقفت معه أن ينجح ويتميَّز.. كما أن الصحافة علمتني أن أحترم الناس وعقولهم.. وأنا لا أملك غير هذا المنزل الذي أسكن فيه، ليس لديَّ أموال في البنك ولا سيارة لكني فقط غني بحب الناس ومعرفتهم التي اعتزُّ بها وأفتخر. * كيف ترى الساحة الغنائية اليوم، وفي أي المراحل تقف؟ - «انت خشيت في اللحم الحي بعد دا» الآن المجال الفني والرياضي يسير القهقرى، إلى الوراء، ويتدحرج، وهذا ليس حديثي أنا وأنما رأي مجموعة من المتذوقين الذين يتابعون الحياة الفنية في السُّودان، كنا قد ناقشنا من خلالها قبل أيام الواقع الفني في السُّودان.. حيث إن عصر الأغنية الكلاسيكية الطويلة انتهى، وفي هذا أكتفي بالقول إن لكل زمان آية والآن أغاني الشباب والإيقاع الراقص موجود، وأغاني الفترة الأخيرة «ال25سنة الماضية» جميعها ألحان راقصة وعلى إيقاعين فقط هما التمتم والسيرة، ولذلك لم تثبت كثير من الأغاني الآن مثلما صمدت وبقيت «الأغاني القديمة»، وفي هذا العصر الحالي جاءت سرعة الإيقاع وجاء الغناء الراقص والخفيف والذي يظهر اليوم ويختفي غدًا.. ثم إن الأغاني الخالدة والمسبكة والتي تُبث في الإذاعات تستمر لدقائق عديدة في السابق أصبحت لا أجدها إلا في إذاعتي ذاكرة الأمة والبيت السوداني «إف إم 100» كما أن الكاسيت «الكان عامل شنَّة ورنَّة» قد غربت شمسُه الآن وأصبح العصر للوسائط المتعددة.. والناقد المصري وحيد رأفت قال «في السابق كان الناس يسمعون الغناء بعقولهم والآن يسمعونه بأقدامهم». وفي السابق كان لكل فنان مجموعة من المتذوقين للفن حيث يعرض عليهم أغانيه فإن أجازوها غناها وإن لم يجيزوها فلا، كما كانت هناك ورش لسمكرة الألحان وتجويدها. وفي ذلك الوقت كانت كل أغنية تعرض على مصنفات الإذاعة تتم إجازتها ليس مجاملة لصاحبها وإنما لأنها كانت جيدة في السبك والألحان والكلمات، والآن كل هذا اختفى.. والكاشف حكى لي أنه ولمدة عام كامل من المحاولات لم يتمكَّن من تلحين أغنية «الزيارة». فأين نحن اليوم من هذا، فالتروي والتدقيق في اللحن والكلمات مطلوب، ومع ذلك كله فأنا ضد منع الشباب من التغني وترديد أغاني الكبار باعتبار أن الفنانين الشباب محتاجون لمن يصلهم بسلفهم توصيلاً للخبرة وربطًا للأجيال بعضها ببعض، كما أن الفنانين الكبار وفي يوم من الأيام كانوا قد رددوا وغنوا أغاني من سبقوهم، وأذكر هنا على أيام حياة عميد الفن السوداني الراحل أحمد المصطفى أن شابًا كان يقلده وكان أحمد المصطفى وفي كل حفلة يقول أريد أولاً أن أسمع أحمد المصطفى من ذاك الشاب فأين هذا الشعور في عصرنا هذا؟!. * بدأت مشوارك مع الصحافة في العام «1956م» وإلى الآن.. ما الذي تغير في بلاط صاحبة الجلالة وفي ممارسة المهنة؟ - أقولها بكل صراحة وصدق إن غالبية من يكتبون في الصحافة الفنية الآن ليست لديهم مرجعيَّة فنيَّة كافية تمكِّنهم من الإحاطة بتفاصيل مسيرة الفن السوداني بكل مراحلها، ولذلك فهم يتخبَّطون في التوثيق وكثيرًا ما يتصل بي كثيرون جدًا من الصحفيين الفنيين ويسألون عن تفاصيل كان الواجب أن تتوفر لديهم قبل ولوجهم لهذا المجال، ولا أعمِّم فهناك قلة تعد على أصابع اليد هم متميزون في هذا المجال وأتحفظ على ذكر الأسماء.. وعلى مستوى ممارسة المهنة فإن الصفحات الفنية غير معترف بها في الصحف أو هكذا تبدو، فكثيرًا ما يُضحَّى بها في سبيل الإعلان أو لأجل مادة أخرى كما أن الصحفيين الفنيين يدفعون من جيوبهم من أجل إتمام مهامهم ولا تهتم بهم الصحف خاصة في النواحي المادية، وأعرف الكثيرين ممن ضحوا ويضحون الآن تضحيات جسام من أجل المهنة، ولكن للأسف فإن هذه التضحيات لا تجد التقدير من الصحف. * الصحافة الفنية ماذا قدمت للفن السوداني؟ - بلا شك قدَّمت وساندت . من خلال نقدها الهادف والبناء الكثيرين إلى أن وصلوا مراتب متقدِّمة ومتميِّزة والأمثلة كثيرة.. والصحافة الفنية لو كتبت ضد أو مع الفنان فالاثنان سيكونان في صالحه وأعيب على المواعين الإعلامية اليوم وتحديدًا المسموعة والمرئية أنها لا تعير النقد البنّاء والهادف في جميع المناحي اجتماعًا وفنًا وسياسة حيزًا في برمجتها على عكس ما كان يحدث في السابق. * هل تتحسر على الزمن الجميل الذي ولَّى؟ - تغيَّر الزمن وتغيَّرت تفاصيل الحياة.. وكان زماننا جميلاً حقًا، وفي كل المجالات الفنية والاجتماعية والتعليمية وغيرها.. فالفنانون كانوا محترمين وأغنياتهم كانت جميلة ورسخت في الوجدان.. ربنا يصلح الأحوال.