كان أمية بن الأسكر الكناني من سادات قومه، وكان له ابن اسمه «كلاب» هاجر إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، وكان كلاباً هذا عابداً زاهداًَ طلب من عمر أن يلحقه بالجهاد في سبيل الله فأرسله في الجند الغُزي إلى الفرس لكن كان أباه شيخاً كبيراً في أمس الحاجة إلى خدمات ابنه كلاب، فقال لعمر: «يا أمير المؤمنين، هذا اليوم في أيامي لولا كبر سني.. يريد بذلك أن يثني كلاباً ويترك له. لكن كلاباً فضل الجهاد، وبالفعل هاجر وطال زمن غيابه عن أبيه وأمه. وحينما طال شوق الوالدين لابنهما كلاباً رأى الشيخ ذات يوم حمامة تدعو فرخها فحرك ذلك حنينه وأنشد قصيدة طويلة منها: لمن شيخان قد نشدا كلاباً.. كتاب الله لو قبل الكتاب أناديه فيعرض في إباء.. فلا وأبي كلاب ما أصاب إذا هتفت حمامة بطن «وج».. على بيضاتها ذكرا كلاباً .. الخ القصيدة. مرت على الشيخ الكبير أياماً بعدها أصيب بالعمى. فأخذه من يقوده إلى عمر رضي الله عنه وهو بالمسجد فأنشده قصيدة طويلة منها: اعازل قد عزلت لغير علم.. وما تدرين عازل ما الاقي فإما كنت عازلتي فردي.. كلاباً إذا توجه للعراق ولم اقض اللبانة في كلاب.. غداة غد واذن بالفراق «يعني أنه كان يجلب له اللبن ويسقيه بيده وكان يبره كثيراً وكان وكان..» ثم مضى الشيخ يلقي قصيدة رائعة حزينة مؤثرة يقص فيها كيف أن ابنه كان باراً به وهو اليوم شيخاً ضعيفاً لا حول له ولا قوة في امس الحاجة لابنه كلاب. فكتب عمر رضي الله عنه برد كلاب للمدينة وجيء به وسأله. ما بلغ من برك بابيك؟.. أجاب كلاب كنت ان أردت ان اجلب له لبناً آتي إلى أغزر ناقة من ابله ثم اغسل ضروعها حتى تبرد ثم احلب له واسقيه.. وحكى له كل بره بابيه. فبعث عمر إلى الأب فجيء به وأجلسه قبل أن يخبره بعودة ابنه وسأله كيف انت يا أبا كلاب؟ كما ترى يا أمير المؤمنين يا ابا كلاب ما أحب الأشياء إليك اليوم؟ ما احب اليوم شيئاً، لا افرح بخير ولا يسوؤني في شر ومع ذلك أخبرني أيضاً؟ بلا كلاب أحب انه عندي فأشمه شمة واضمه ضمة قبل أن اموت. قال عمر: ستبلغ ما تحب إن شاء الله تعالى. ثم امر كلاباً ان يحلب لابيه ناقة كما كان يفعل ويأتي بلبنها إلى ابيه ففعل وناوله اياها، قال اشرب. أخذها الأب فلما دنا منها قال: والله يا أمير المؤمنين أني لاشم رائحة يدي ابني كلاب. فبكى عمر وقال له: هذا كلاب عندك وقد جئناك به، فوثب ابنه وضمه وأبكي ذلك عمر والحاضرين وقال لكلاب الزم ابويك فجاهد فيهما ما بقيا وتغنت الاعراب والركبان بشعر ابيه فبلغه ذلك الشعر فانشد هو ايضاً قصيدة طويلة منها: لعمرك ماترك ابا كلاب.. كبير السن مكتئباً مصابا وأماً لا يزال لها حنين تنادي بعد رقدتها كلابا لكسب المال أو طلب المعالي ولكني رجوت به الثوابا.