ربما من الطبيعي أن تحلم المغنية ندى القلعة بأن تكون أكثر شهرةً، وأن تجري معها الإذاعات والفضائيات لقاءات فنية، وأن تحقق ألبوماتها الغنائية مبيعات كبيرة، وأن تتصدر صورها الصحف والمجلات، لكن لا أظنها توقعت يوماً أن تكون مثار حديث خطبة الجمعة في أحد المساجد بالخرطوم، وهو ما حدث بالفعل في يوم الجمعة قبل الماضية بحسب ما ذكرته صحيفة «الدار» بأن أحد الأئمة بالخرطوم «شنَّ هجوماً عنيفاً على الفنانة ندى القلعة، وقال إنها أحد أسباب الغلاء، حيث أن هناك أشياء تُباع باسمها بأسعار عالية مثل «ثوب ندى القلعة»، والنساء يقمن بعمل «حنة» غالية الثمن مثل ندى القلعة وأشياء أخرى»، كما أوردت الصحيفة في عددها يوم السبت الماضي أن إماماً بمدينة بحري شنَّ هجوماً ضارياً على الإمام الذي كان قد حمَّل المغنية ندى القلعة مسؤولية ارتفاع الأسعار، وقالت الصحيفة إن الإمام قال إن حديث الإمام فارغ المحتوى حول ادعائه أن ندى القعلة أحد أسباب الغلاء، وقال إن حديثه غير منطقي، لأن ندى القلعة ليست والي البلد حتى ترفع الأسعار وتخفضها». ولعل ما يلفت النظر في حديث الإمامين انصراف كل منهما إلى قضايا هي أبعد ما تكون عن هموم الناس وقضاياهم الحقيقية والتبصير بالدين في مناحيه المختلفة عقيدة وفقهاً وسنة وسيرة، وأجد نفسي متفقاً مع أحد الشيوخ الأفاضل الذين استطلعتهم إحدى الإذاعات عن رأيه في حديث الأمامين فأعاب عليهما ذلك الحديث، وألمح إلى أن بعض الأئمة يريدون الشهرة وجلب المصلين إلى مساجدهم بالحديث في مثل تلك القضايا الانصرافية، وذلك لأنه من غير المعقول في رأينا أن يتم الربط بين ارتفاع الأسعار ومغنية، وكأن الشعب السوداني بات يحكمه ويسيطر عليه ولعه بالمغنيات والغناء، فكم عدد النساء والرجال الذين تأثروا بالمغنية المذكورة، كما أن الإمام الذي تصدى له في خطبة الجمعة أخطأ، لأنه شغل المصلين بحديث انصرافي لا طائل منه، وكان الأحرى أن تتولى الصحافة هذا الأمر وليس المساجد، سيما أن ذلك ربما حوَّل المساجد إلى مساجلات وصراعات بين الأئمة، وهذا الأمر ذكرني بما حدث قبل سنوات، عندما دعت وزارة الثقافة في إحدى الدول المطربة اللبنانية نانسي عجرم، فشغلت هذه القضية المساجد والبرلمان، وحدثت ملاسنات حادة بين الشيوخ وأنصار ما يسمى «الانفتاح»، وانتصر التيار الداعي لدعوة المطربة، لكن اشترطوا عليها أن ترتدي بنطالاً من الجنز!! مع أن القضية كان يمكن حلها بوسطة مذكرة من العلماء والحادبين على الدين بعيداً عن الجدل في البرلمان والمساجلات في الصحف، لكن يبدو أن التهريج لم يعد حكراً على السياسيين فقط، فعندما تزول التقوى وتعمى البصيرة تصبح أمور الدين في يد المزايدين و «الهتيفة» غير الصادقين.