في سابقة تعد الأولى من نوعها وعلى خلفية اتهامات بخلق وظائف وهمية نطق القضاء الفرنسي فى حق الرئيس السابق جاك شيراك والذي ادانه رسميًا بتهمة الاستفادة بشكل غير مشروع من وظيفته كعمدة لمدينة باريس وتمت محاكمته كباقي افراد الشعب وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ، الامر الذي اعتبره جان فرانسوا بروبست المستشار السياسي السابق للرئيس شيراك بانه «سانحة للاطمئنان إلى أننا نعيش في دولة السيادة فيها للقانون ولسنا في إحدى إمبراطوريات الموز، إننا نعيش في ديمقراطية تتميز بسلطات قضائية وتشريعية وتنفيذية مستقلة تمام الاستقلال»، صحيح أنها تتداخل أحيانًا بشدة لكن ما حدث يظل أمرًا جيدًا يمثل نوعًا ما فرصة للرئيس الفرنسي كي يمثل أمام القضاء كعامة الفرنسيين، دعونا نأمل ان يُعدي الداء الفرنسي والذي هو الشفافية في محاسبة كبار المسؤولين الحكومة السودانية فى الفساد والجرائم، بعد ان أعلنت وزارة العدل السودانية اعتزامها تعديل القوانين المتعلقة بمنح الحصانات للمسؤولين وكبار رجال الجيش والشرطة والأمن موضحة أن تلك الحصانات تعيق وتعرقل سير العدالة واتخاذ الإجراءات القانونية ضد أشخاص انتهكوا القانون أو ارتكبوا الفساد، فى وقت ترى فيه المعارضة ان عدم إنفاذ التوصيات من قبل الأجهزة العدلية يرجع لأمور تتعلق بطبيعة النظام الحاكم في السودان اذ يرون ان اخضاع المسؤولين الحكوميين للمساءلة يحتاج إلى فترة انتقالية مرتبطة بالحقيقة والمصالحة، وابدى المدَّعي العام لوزارة العدل عمر أحمد فى تصريحات سابقة تفاؤلاً شديدًا بقيام الورشة التى ناقشت أمر الحصانات من واقع التشريعات والتطبيق بخروج توصيات مشجعة ونافذة بتعديل قوانين منح الحصانات التى وجدت انتقادات كثيرة خاصة فى الآونة الاخيرة واعتبرها البعض عائقًا امام تحقيق العدالة خاصة وان الورشة استعرضت كثيرًا من القضايا بشفافية غير مسبوقة فى الاوراق التى قدمت وبدت لافتة فيما يتعلق بمحاكمة 188 عضوًا فى جهاز الامن، وبالرغم من ذلك المجهود الذي وضح جليًا الا ان الاعتراف الذي نطقت به الحكومة على لسان وزير العدل ان الحصانات الممنوحة لجيش من الدستوريين وكبار المسؤولين والاجهزة الامنية والقوات المسلحة والشرطة أضعف إنفاذ القانون، واستُغلت بصورة سيئة، ووضع العدالة في محل شك أمام الناس يجعل من الامر احلامًا ربما لا ترى النور، الا ان القيادي بالحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل د. علي السيد خالفه الرأي وقال ان الورشة لا تستطيع الخروج بجديد الا في حال اوصت بتعديل اعطاء الإذن للجهة المانحة للحصانة وتقديم الطلب لها لمحاكمة الشخص المعني فى غضون ثلاثة ايام او الرفض المسبب، وتابع ان يكون على المحكمة اتخاذ قرارها بفتح بلاغ اذا رأت ان الأسباب التى اوردها النائب العام غير كافية، واضاف ان الحصانة لا تحول دون محاكمات بعض الأشخاص وان الحصانة نوعان اجرائية وموضوعية، واوضح د. على السيد ان مهمة وزير العدل مهمة مزدوجة كنائب عام ووزير للعدل كجزء من السلطة التنفيذية ويغض الطرف عن بعض الجرائم التى تُرتكب، الا انه عاد وقال ان الغاء الحصانة مسألة تضر بالمسؤولين لما يمكن ان يتعرضوا له، ويرى رئيس لجنة التشريع والحكم المحلي بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم على ابو الحسن ان الحصانة لا تعتبر مهددًا لتحقيق العدالة ولا تعني عدم المحاسبة، وتوقع ان تخرج الورشة بتوصيات من شأنها تفعيل مسألة تحقيق العدالة ومبدأ المحاسبة، وفي ورقتها «الحصانة فى القانون الدولي» بينت د. تهاني يحيى عبد الله المبشر ان قضية الحصانات مازالت تثير العديد من وجهات النظر والخلاف بين فقهاء القانون حول شرعيتها وعدم شرعيتها بجانب جداوها وجدوى تطبيقها، حيث تقول ان البعض يراها وسيلة لارتكاب المخالفات القانونية دون رقيب ودون محاسبة او مساءلة فى مخالفة واضحة للمبادئ القانونية الراسخة مثل سيادة حكم القانون والمسؤولية الجنائية والمدنية ورفع الظلم وانصاف المظلوم وتطبيق مفهوم العدالة بمعناه الأشمل، وحددت د. تهاني اشكاليات الحصانة فى نظرة البعض اليها بانها تهدم مبدأ المساواة امام القانون كما يعارض التطور العالمي فى اقرار مبدأ المساءلة والمحاسبة، بجانب التضارب الدولى حول ثبوت الحصانة بموجب القانون واختلاف الأحكام على المستوى الدولي والوطني وامكانية تسييس هذا الامر واستغلاله من قبل بعض الدول ضد دول أخرى.