إن من أهم الأعباء التي يجب على (الصحافة) القيام بها ورعايتها : الحفاظ على هوية الأمة وثوابتها ، وإن الأمة الإسلامية قد اجتمعت على شريعة محكمة ن وثوابت راسخة ، ويجمع المسلمين عموماً كتاب كريم حفظه الله من التحريف أو التغيير أو التبديل ، وسنة نبوية جاءت لتبين للناس ما نزّل إليهم .. وهي وحي الله (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). إن من مسؤولية (الصحافة) في بلاد المسلمين رعاية ثوابت الدين ، ونشر فضائل الإسلام .. والإسهام في توجيه المسلمين للتمسك بطرق النجاة وسبله ليسعدوا بذلك في العاجل والآجل.. هذا هو الدور المنوط بالمؤسسات (الصحفية) .. ولا يخفى الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في عصرنا الحالي ، ومنها (الصحف) في تشكيل قناعات أو تثبيتها أو زعزعتها !! وإن اتجاه الصحف في نشر ما يوافق ثوابت الدين التي جاءت في الكتاب والسنة هو من أهم واجباتها ، ومن ثمار ذلك أن يقل الخلاف والاختلاف الذي تعج به المجتمعات ، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ، فإن الذي يجمع به الناس وحي الله تعالى وشريعته وذلك ما ثبت في كتابه تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). وإن نشر بعض الصحف ب (تكرار) وتركيزها على نشر قضايا تتصادم مع ثوابت القرآن الكريم وتشريع رب العالمين لهو من الأخطاء الكبيرة التي يجب التنبيه عليها ، فإن ما تنشره لهو من أسباب إثارة النزاع ، وكثرة الخصومات ، وهو بالعموم من أسباب سخط الله وعقوباته ، فالمنكرات التي تنتشر وتنشر في الآفاق وتحملها صفحات الصحف إلى المدن والقرى هي من المنكرات العامة التي هي من أسباب العقوبات المتنوعة العاجلة والآجلة. أضرب مثالاً بتركيز إحدى الصحف في الفترة الماضية على نشر مادة متشابهة وإن تنوعت في أسماء الأشخاص في المادة المنشورة وأماكنهم إلا أن المضمون واحد.. إن من الحقائق المؤكدة والقضايا الراسخة والثوابت المستقرة لكل من يقرأ القرآن الكريم أن الشرك الذي كان يمارسه من بعث فيهم النبي عليه الصلاة والسلام هو أنهم يدعون الموتى والأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى ويسألونهم ويدعونهم ليجيبوهم دعاءهم ، وهذه وغيرها مما يجب أن يصرف لله تعالى ، وقد بيّن القرآن الكريم أنهم كانوا يشركون في حال الرخاء والسعة ، إلا أنهم في حال الشدة والكرب والضيق فإنهم يدعون الله وحده سبحانه وتعالى ، وكل من يقرأ القرآن الكريم ولو كان من أقل الناس علماً تبين له ذلك ، قال الله تعالى : (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) وقال الله تعالى : (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) وقال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ). وقال الله تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال الله تعالى : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54). جاء في تفسير العلامة السعدي : (ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود دون ما سواه أنهم إذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الأمواج ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الرخاء من الأحياء والأموات، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال. فلما كشف الله عنهم الضر ونجاهم إلى البر ونسوا ما كانوا يدعون إليه من قبل وأشركوا به من لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع وأعرضوا عن الإخلاص لربهم ومليكهم، وهذا من جهل الإنسان وكفره فإن الإنسان كفور للنعم، إلا من هدى الله فمن عليه بالعقل السليم واهتدى إلى الصراط المستقيم، فإنه يعلم أن الذي يكشف الشدائد وينجي من الأهوال هو الذي يستحق أن يفرد وتخلص له سائر الأعمال في الشدة والرخاء واليسر والعسر.وأما من خذل ووكل إلى عقله الضعيف فإنه لم يلحظ وقت الشدة إلا مصلحته الحاضرة وإنجاءه في تلك الحال.فلما حصلت له النجاة وزالت عنه المشقة ظن بجهله أنه قد أعجز الله ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية فضلا عن أمور الآخرة). إذا كانت هذه القضية هي من الحقائق الراسخة وهي أن المشركين الأولين لم يكونوا يدعون الأموات ويناونهم ويطلبون منهم قضاء الحاجات في حال الشدة والكرب والضيق ، وإنما يخلصون الدعاء لله وحده في حال الكرب ، فكيف يكون الحال إذا تتبعنا صحيفة من الصحف ووجدناها قد خصّصت عناية كبيرة ولها جهد فيه تركيز لتنشر للمسلمين وتزين لهم مناداة المقبورين ودعائهم والاستغاثة بهم في الشدة والكرب ، فتدعو من خلال منبرها للشرك بالله والوقوع في جرم لم يكن يصنعه المشركون الأولون !!! في إحدى حلقاتهم في هذا الموضوع ما نشروا في تزيين الشرك الذي لم يفعله حتى المشركون هذه الأبيات: إذا كنت في هم وغم فنادهم ***وقل هيا أيا أعراك قد مسني الكرب يجوك كقد الزند حالاً وقوفهم ***عمائم خضر ترتمي بها النجب وفي حلقة تالية نشروا بعد تعريفهم بتلك الأضرحة التي هي قبور لموتى لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً .. فضلاً عن غيرهم ، وهم كما وصفهم القرآن الكريم: (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) عن رجل من أهل الصعيد سافر في بعض السنين إلى بعض الجبال ووصل إلى جبل يقال له ... وذهب ما معه من الماء واشتد به الظمأ فاستعان بالأولياء فجاءه رجل ودلّه على مكان ماء .. والمنشور في هذا الباب من هذه الصحيفة كثير .. مؤسف حقاً أن يكون في صحافتنا هذا النموذج الذي لم يحتكم للقرآن الكريم ولا لثوابت الدين ، فينشر ب (تركيز) ليغير ثوابت راسخة في دين الإسلام .. الدين الذي ثبت في القرآن والسنة وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أنه ترك فينا ما إن تمسكنا به فلن نضل أبداً وهو الكتاب والسنة .. وفي نشر هذه الصحيفة لهذه المادة المُضِلّة دعوة للشرك بالله ، والشرك هو أكبر الجرائم ، وأظلم الظلم ، ومع ما ينتظره الواقعون فيه في الآخرة ، فإن المجتمع الذي ينتشر فيه الشرك متوعّد بالعقوبات العاجلة مثل ذهاب الأمن وغلاء الأسعار ، وفي قوله تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) .. في هذه الآية وفي سبب نزولها درس بليغ لكل المسلمين ، فليس مع الشرك ونشره أمن ولا أمان .. وقد فسر النبي عليه الصلاة والسلام الظلم في هذه الآية بالشرك وأرجع صحابته لقول لقمان : (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم). تكرار نشر هذه المادة (أسبوعياً) من هذه الصحيفة أوجب الكتابة في ذلك ، فليغلقوا لنا باباً أرادوا فتحه هو باب للعقوبات الربانية ، وبه يتعرض المجتمع لسنن كونية ، وفيه غضب رب البرية ، ومزيد من الانفلاتات الأمنية ، وضيق الأحوال المعيشية ، وزيادة الفرقة والشحناء والبغضاء والعصبية .. وما أعظم مسؤولية القلم والكلمة ووسائل الإعلام!!! وما أعظم مسؤولية الجهات التي يجب عليها أن لا يخالف الثوابت ما ينشر في هذه الوسائل.