مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحوالنا الراهنة .. وسنن الله الكونيّة .. بقلم: د. عارف عوض الركابي
نشر في سودانيل يوم 28 - 09 - 2013

حديث الناس في المجالس العامة والخاصة والصحف ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الالكتروني في هذه الأيام عن رفع الدعم والغلاء وسوء الأحوال الاقتصادية في بلادنا وارتفاع سعر الدولار والهبوط الشديد لسعر الجنيه ... ويأتي هذا الحال في الوقت الذي تشهد فيه بعض مناطق البلاد حروباً وقتلاً وسفكاً للدماء وتفلتات أمنية ، وبالتالي فإن حالنا حال سيء في ناحيتين مهمتين في الحياة وهما (الأمن) و(الغذاء) ..
يتحدث الكثيرون عن الأسباب والعلاج ، ويصدق المثل في تلك التحليلات الكثيرة المتباينة بأن (كل إناء بما فيه ينضح) .. فكلٌ يحلل وفق ما لديه من معلومات أو قناعات..
إن لله تعالى في هذا الكون سنناً لا تتبدّل ولا تتغير (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) .. من تلك السنن أن بقدر إعراض الناس عن دين الله وبعدهم عن أوامره ووقوعهم في نواهيه تكون العقوبات والمصائب والبلايا ، لا تتخلّف هذه السنة الكونية ولا تتبدّل ، قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) هذه هي النتيجة التي يصل إليها المعرضون عن دين الله وعن توجيهاته وتوجيهات رسوله عليه الصلاة والسلام.
ومن يتأمل العقوبة التي حكاها لنا القرآن الكريم وحصلت في موقف فيه النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أفضل البشر بعد الأنبياء وهم صحابته الكرام عليهم رضوان الله وذلك في يوم أحد فقد قال الله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .. (قل هو من عند أنفسكم) ومثله درس آخر في غزوة حنين .. (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) فهل عقلنا وتعلمنا هذا الدرس العظيم ؟!
وفي المقابل الرخاء مع صحة المعتقد والإقبال على الله (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) .. (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) .. (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)
وقد يصحب الإعراض عن أوامر الله تعالى المجاهرة بالإعراض العصيان وقد ورد الوعيد الشديد للمجاهرين والمجاهرات فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : (كل أمتي معافى إلا المجاهرين...).. رواه البخاري ومسلم ، فالمجاهرون عرضوا أنفسهم للهلاك والضياع بسبب مجاهرتهم ولم تشملهم معافاة الله لهم ..
وإذا نظرنا في واقعنا وحالنا وجدنا أنواعاً من الإعراض والمجاهرة بالمخالفات الشرعية ، ومؤسف أن كثيراً من وسائل الإعلام تسهم في نشر الفساد والمجاهرة ، فالشرك بالله وعبادة غيره من المخلوقين تنتشر في جهات كثيرة في بلادنا وبعض وسائل الإعلام تنشر ذلك والأمن بين الخالق سبحانه أنه لمن لا يشركون به شيئا قال الله تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وفسر النبي عليه الصلاة والسلام الظلم الوارد في الآية بأنه الشرك بالله وقد قال الله تعالى : (إن الشرك لظلم عظيم) .. والبدع والمعاصي تنشر في الليل والنهار ، ومن المؤسف أن شهر رمضان الماضي تنافست فيه بعض القنوات لتقديم الأغاني وجمع للرجال والفتيات يغنون في وقت صلاة التراويح والملايين يتابعون ذلك وغيره من البرامج الآثمة السيئة التي لا تحل في غير أي زمان فكيف بشهر التوبة والقرآن والصيام والقيام ؟!! ولم ينته شهر رمضان إلا والبلاد تغرقها (مطرتان) ويهلك الكثيرون ويهلك الكثير من الممتلكات والمنازل ويتشرد الآلاف ويرحمنا الناس وتأتينا الإغاثات والمعونات من أشد بلاد الله فقراً !!! (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) .. فقد ربط الله تعالى بين الفساد وهو نتيجة وبين أفعال الناس وتصرفاتهم.
هذا هو الداء وهذا هو الدواء ، وهذه هي سنة الله الكونية ، فعلى الحريص على الإصلاح وتغير الحال أن يحسن وصف الدواء لنفسه ولغيره ، فالفساد الذي ينتزع به حق الله في العبادة ، أو حق نبيه عليه الصلاة والسلام في الاتباع والطاعة من أهم ما يجب أن يعتنى بحسمه ، وكذلك الفساد العقدي الخطير الذي انتشر في بعض جهات بلادنا بالطعن في زوجات النبي الكريم وصحابته الكرام وهو طعن يراد منه الطعن في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وهذا من أسوأ أنواع الفساد في أرض الله تعالى ومن الطعن في القرآن والسنة اللذان شهدا بفضلهم وعدالتهم رضي الله عنهم وأرضاهم ... فالمد الشيعي من أخطر أنواع الفساد الذي ينتشر في البلاد ، ومن صور الفساد انتهاك الأعراض واللعب بأعراض المسلمين ، فامتلأت الشوارع بمناظر مخجلة ، ومؤذية ، بل سوح الجامعات وصالات التعليم تشهد فساداً واضحاً ولا حياء لهؤلاء ، وغيرها من صور الفساد كالظلم وأكل الأموال بالباطل سواء المال العام أم الخاص .
قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
في تفسير هذه الآية نقرأ في تفسير القرطبي ما يلي : "وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية ، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم. وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف ، وانظر فيه متعجبا. وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم ..."أ.ه.
وفي تفسير السعدي نقرأ : "كذلك من سنتنا (أي سنة الله تعالى) أن نولي كل ظالم ظالماً مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه ، ويزهده في الخير وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنبُ ذنبُ الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّي عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا ، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف ، لا ولاة ظلم واعتساف..." أ.ه
ورحم الله هؤلاء الأئمة ، فلمّا علموا وأدركوا آيات الله الشرعية ، وتأملوا آياته وسننه الكونية ، نطقوا بالحكمة وأحسنوا النصح .. فهل من متعظ ؟!
ولمزيد من التوضيح والبيان فقد جاء عن سيد ولد عدنان عليه الصلاة والسلام ما يلي : عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ :لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
أتمنى أن ندرك هذه السنة الكونية التي يجريها الله تعالى في خلقه ، ويتغير بسبب ذلك حالنا فنعلن توبة صادقة وصالحة ونقبل على دين الله تعالى ونعبده على هدي نبيه عليه الصلاة والسلام ونجتهد في الاستقامة على طاعته سبحانه وتعالى ونتناصح ونتعاون على البر والتقوى حتى يغير الله ما بنا ويرحمنا ، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
(2)
لماذا أمر ديننا الحنيف بالصبر على جور الحكام ونهى عن الخروج عليهم ؟!!!
د. عارف عوض الركابي
إن الصبر على جور وظلم الحكام ، وعدم الخروج عليهم ومنازعتهم ، أمر وردت النصوص الشرعية به ، ومن ذلك :
*عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجمعة شبراً فمات فميتة جاهلية ) .
*وفي رواية : ( من كره من أميره شيئاً ، فليصبر عليه ، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً ، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية ) .
*وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهونها ). قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟
قال : (تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ) .
و(الأثرة) هي : الإنفراد بالشيء عمن له فيه حق.
وقد أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة – وهي استئثار الأمراء بالأموال وإظهارهم للمخالفات الشرعية ... – إلي المسلك السليم والمعاملة الحسنة التي يبرأ صاحبها من الوقوع في الإثم ، وهي إعطاء الأمراء الحق الذي كتب لهم علينا ، من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم.
قال النووي في شرح هذا الحديث : " فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً ، فيُعْطَى حَقُّه من الطاعة ، ولا يُخْرَج عليه، ولا يُخْلَع، بل يتضرع إلي الله تعالى في كشف أذاه ، ودفع شره، وإصلاحه" .
وقال الشيخ العثيمين : "أما حديث عبد الله بن مسعود فأخبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنها ستكون بعدي أثرة والأثرة يعني الاستئثار عمن له فيه حق .
يريد بذلك أنه يستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاءوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها .
وهذه أثرة وظلم من الولاة أن يستأثروا بالأموال التي للمسلمين فيها الحق ويستأثروا بها لأنفسهم عن المسلمين ولكن قالوا ما تأمرنا ؟ قال تؤدون الحق الذي عليكم يعني لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة ....بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوهم الأمر الذي أعطاهم الله وتسألون الله الذي لكم أي اسألوا الحق الذي لكم من الله .أي اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم ..." .
وقال أيضاً : "فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يصبروا على ما سيرونه من الأثرة فإن صبرهم على ظلم الولاة من أسباب الورود على الحوض والشرب منه .
إذا في هذين الحديثين حث على الصبر على استئثار ولاة الأمور في حقوق الرعية ولكن يجب أن نعلم أن الناس كما يكونون يولى عليهم .إذا أساءوا فيما بينهم وبين الله فإن الله يسلط عليهم ولاتهم كما قال تعالى : (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) فإذا صلحت الرعية يسر الله لهم ولاة صالحين وإذا كانوا بالعكس كان الأمر بالعكس ويذكر أن رجلاً من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له يا علي ما بال الناس انتقدوا عليك ولم ينتقدوا على أبي بكر وعمر ؟ فقال له إن رجال أبي بكر وعمر كنت أنا وأمثالي أما رجالي فكنت أنت وأمثالك" .
"ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع أن أناسا يتكلمون فيه وفي خلافته فجمع أشراف الناس ووجهائهم وتكلم فيهم وقال لهم إنكم تريدون منا أن نكون مثل أبي بكر وعمر قالوا نعم أنت خليفة وهم خلفاء قال كونوا أنتم مثل رجال أبي بكر وعمر نكن نحن مثل أبي بكر وعمر وهذا جواب عظيم فالناس إذا تغيروا لابد أن يغير الله ولاتهم كما تكونون يولى عليكم أما أن يريد الناس من الولاة أن يكونوا مثل الخلفاء وهم أبعد ما يكونون عن رجال الخلفاء هذا غير صحيح".
*وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى (أَثَرَةٍ عَلَيْنَا) وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ) .
*وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : "« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ » .
إذاً ما المقاصد الشرعية التي دلّت عليها هذه النصوص والتوجيهات من خير البرية ؟!
إن النصوص الشرعية الواردة في هذا القضية كثيرة جداً ، وعلى ضوء هذه النصوص انعقد إجماع علماء الأمة الإسلامية ،
والشريعة الإسلامية لما أوجبت الصبر على جور وخطأ الحاكم ذلك لأن الخروج عليه قد تترتب عليه مفاسد أعظم ، ومن تأمل التاريخ في القديم والحديث يجد أن كثيراً من مصائب المسلمين إنما هي من جراء التفريط فيما قرره الشرع في هذا الباب الخطير ، ولذلك فقد ضبط الشرع هذا الباب بضوابط وشروط معلومة عند (أهل العلم) وهم الذين يقررونها ، وينظرون فيها ، وليس ذلك لأفراد الناس وعامتهم !! ومن العبارات التي وردت عن أهل العلم بما يبين هذا الأمر ما يلي :
قال الحسن البصري : "اعلم - عافاك الله - أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى ، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب ، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع "
وإن الأئمة وأهل العلم قد بينوا بوضوح وجلاء على مر العصور الموقف الشرعي في هذه القضية بما يحفظ للناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم ، فكم من مصالح توقعها كثيرون غدت مفاسد ومحن وبلايا تقضي على الأخضر واليابس ، وليس بعد الإسلام نعمة أعظم من نعمة الأمن إذ به تحفظ الأنفس والأموال والأعراض والمقدسات ، وفي مواقف الأئمة عبراً ، وموقف الإمام أحمد بن حنبل مع المأمون مشهور غير مجهول ، إذ كان يوصي بالصبر حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وكان يردد : الله الله في الدماء ، ذكر الإمام أبو بكر الخلال في كتابه السنة عن أبي الحارث أنه حدثهم وقال :" سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد وهمّ قوم بالخروج فقلت : يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول سبحان الله الدماء ، الدماء ، لا أرى ذلك ولا آمر به ، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم "
قال ابن تيمية : "وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير" وسرد جملة من الأحداث وعدّدها مما يوضح ما قال.
وقال ابن القيم : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة- وإن ظلموا أو جاروا- ما أقاموا الصلاة، سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن"
قال ابن أبي العز الحنفي : "وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور ، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، و الجزاء من جنس العمل . فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل . قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ) وقال تعالى : ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) وقال تعالى ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) وقال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ) فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم)" أ.ه
وقال المعلمي : "وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر " وسرد أيضاً جملة من الأحداث.
وأحداث ما سمي بالربيع العربي وما آلت إليه الأمور في كثير من الدول التي ثار الناس فيها على حكامهم تؤكد هذه المقاصد الشرعية المرعية ..وقد نشرت بهذه الصحيفة مقالات وناقشت بعض الكُتّاب مع بداية تلك الثورات بينت فيها معتقد أهل السنة والجماعة في هذه القضية ، وقول السلفيين فيها لا يتناقض ولا يضطرب ولا يختلف باختلاف المصالح الشخصية أو الحزبية كحال بعض الجماعات ، وذلك لأنه قائم على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ويعلم التوجيهات الشرعية في ذلك والمقاصد المرعيّة التي راعتها الشريعة من حفظ الدماء والأنفس والممتلكات والأعراض.فالخروج على الحكام له شروط وضوابط معلومة يجب تحققها ووجودها.
وإن ما حدث في يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين من دمار وتدمير وقتل ونهب وقطع طرق وخسائر في الممتلكات العامة والخاصة بوحشية وحقد وغوغائية يؤكد ضرورة مراعاة المقاصد الشرعية ويبين رحمة الشرع بنا في أمره بالصبر على جور الحكام ...
والسعيد من وعظ بغيره .. ولا أدري بماذا يوصف من لم يتعظ بنفسه ..!!
(3)
***السلفيُّون والحُكَّام***
في المقالات السابقة رأيت بعض الإخوة لا يعرف لماذا يكون موقف السلفيين رفض المظاهرات لأنها ليست من هدي الإسلام وتحريم الخروج على الحاكم ووصيتهم بالاكتفاء بالأساليب الشرعية في النصح للحاكم مع الحث على الصبر والوصية بالتوبة وتغيير ما بنا من حال والاستقامة على دين الله حكاماً ومحكومين ليغير الله ما بنا برحمته وفضله فإنه على كل شيء قدير
وذلك لأن كثيرين ارتبط عندهم أن الصلة بالحاكم والموقف منه على حسب الإفادة منه وما يوفره من خدمات .. وإن كان هذا جزءاً من واجبه تجاههم...
لمزيد من التوضيح لهؤلاء ولغيرهم أورد هذا المقال الذي نشرته سابقاً :
****************
"النصوص الشرعية" هي التي توجه الدعوة السلفية في مواقفها من الحكام وقضايا الحاكمية
وليست المصالح الدنيوية أو الأغراض الشخصية أو الانفعالات العاطفية
د.عارف عوض الركابي
الدعوة السلفية دعوة تستند في (كل) قضاياها ومواقفها على نصوص الكتاب والسنة وتفهم هذه النصوص بفهم السلف الصالح رضي الله عنهم ورحمهم ، فإن كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام هما مصدرا التشريع لهذه الشريعة الكاملة الشاملة التي ختم الله بها الشرائع ، قال الله تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (تَرَكْتُ فِيكُمْ شيئين ، لَنْ تَضِلُّوا بعدهما : كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) .والسلفيون يسيرون في فهمهم للنصوص الشرعية بفهم السلف الصالح وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم والتابعون وتابع التابعين رحمهم الله تعالى وهؤلاء هم أصحاب القرون (الثلاثة) المفضلة ، قال الله تعالى: (والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (خَيْرُ الناسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) .
فاتباع سبيل الصحابة والتابعين وتابعيهم والسير على طريقهم والاهتداء بهديهم وفهم الكتاب والسنة بفهمهم هو من الواجبات المتحتمات ، وإن الشرع المطهر قد أكد على ذلك ، بل إن الله تبارك وتعالى قد توعد من أعرض عن دربهم ، وسار على غير طريقهم توعدهم بالوعيد العظيم ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) .
فهم الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا مقاصد التشريع وصحبوا النبي عليه الصلاة والسلام وجاهدوا معه ، وحضروا معه فرض الفرائض وسن التشريعات ، فلا غرو أن يجعل الشرع لسبيلهم تلك المنزلة والمكانة العظيمة .
وتلك القرون الثلاثة هي قرون العزة والسؤدد والتمكين وانتشار الإسلام وظهور تشريعاته ، وهي عصور التمسك بالشريعة والبعد عن البدع والمخترعات ومحدثات الأمور.
والمقصود بهذه المقدمة التأكيد على أن الدعوة السلفية تسير على وفق منهج السلف الصالح في كل القضايا والمواقف ، في العسر واليسر في الرخاء والشدة ، مع القريب والبعيد ، مع الحاكم والمحكوم وغيرهم .
ومن ذلك : "موقف الدعوة السلفية من الحاكم وقضايا الحكم" ، فإن الدعوة السلفية تسترشد في موقفها من الحكومة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتفهم النصوص الكثيرة الواردة في ذلك بفهم السلف الصالح ، والذي ينظر إلى الموقف السلفي في هذه القضية المهمة من القرن الأول وحتى يومنا هذا وعلى مختلف البلدان يجد ثباتاً ووضوحاً لا يخفى على كل ذي عينين .
وليس المقصود بهذا المقال سرد عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب ؛ فقد اعتنى أهل العلم في القديم والحديث بهذا الباب وبينوا الأصول والقواعد والكليات في ذلك بتفصيل لا يبقى معه إيهام أو غموض ولا يكون معه مجال لاضطراب أو تناقض !! والكتب المفردة في هذا الجانب كثيرة جداً ولله الحمد.
وإنما المقصود بكتابة هذا المقال التأكيد ببيان أن الدعوة السلفية تسترشد بالنصوص الشرعية في مواقفها من الحاكم ، وليس للمصالح والمقايضات الدنيوية أو الأغراض الشخصية أو الانفعالات العاطفية أو المكايدات السياسية أو غيرها نصيب في توجيه هذه المواقف.
فقد عشنا ورأينا من :
يقايضون الحكومة في موقفهم منها حتى تلبي له طلباتهم ، فيعلنون سياسة تعطينا لنسمع ونطيع!!
وآخرون يخرجون عليها ويعلنون شق العصا بناء على عدم تحقيق بعض رغباتهم!!
وآخرون يعلنون الولاء أياماً ثم ينقضون ذلك الولاء بتحالفات مع آخرين!! ويتغيرون ويتلونون في مواقفهم بناء على المصالح الشخصية!!
وآخرون يرون أن الصلة مع الحاكم ينبغي أن تكون على التحالفات !! وليست السمع والطاعة !!
وآخر يقرر في أحد كتبه أن الشعب له أن يخرج في المظاهرات على الحكومة وله حق المعارضة ومحاسبة الحاكم بل وقلعه!! ثم يناقض هذا التقعيد الذي أصّل له في رسالة دكتوراه !! ببعض المواقف والنشرات الأخرى!
وغيرهم وغيرهم ،،،
وأما السلفيون فإن موقفهم من الحاكم في هذه القضية وكل القضايا هو: "التوجيهات الشرعية وما كان عليه السلف الصالح" وينطلقون من ركن شديد وأصول ثابتة وقواعد راسخة وهم في ذلك على بينة من أمرهم ، ولا يضرالمنهج السلفي بعضُ المواقف الشخصية من بعض من ينتسب إليه ، فقد رأينا من اتجه لمقايضة الحاكم والدخول في تحالفات وأشهر سياسة كم تعطينا ؟ حتى نعلمك : كم نعطيك؟! ولا يخفى أن هذا الصنيع هو من التأثر الواضح بالأحزاب السياسية !! وإلا فإن الموقف السلفي المعروف لصغار طلاب العلم قبل كبارهم :
أن العلاقة مع الحاكم هي علاقة محكومين بحاكم ، فللحاكم حقوق وللمحكومين (الرعية) حقوق ، وليست القضية ترجع لمبدأ ندية أو خاضع لأي نوع من المساومات !! وإن السلفيين على مر العصور يقررون حقوق الحاكم وواجباته ، وقد سردت عشرة منها في حلقة سابقة بهذه الصحيفة ، كما إنهم يقررون حقوق الرعية التي يجب على الحاكم الوفاء بها ، ولم يكن بين تلك التقريرات سياسة المقايضة!! التي سار عليها البعض ، وقد وجدت معارضات كبيرة وواضحة من الأكثر منهم قرباً !! فضلاً عن غيرهم ، حتى باتت وكأنها مواقف شخصية لمعينين !!
ولا بد من ضرب بعض الأمثلة ليتضح بجلاء أكثر أن المواقف السلفية تستند على قواعد وأصول راسخة وثابتة وليست للمصالح الدنيوية أو المكايدات السياسية أو الانفعالات العاطفية تأثير في ذلك ، وأنّى يكون لذلك أو غيره تأثير والأمر دين وعبادة ويترتب على مخالفة الشرع فيه وعيد شديد ، والعياذ بالله تعالى .
أولاً : ومن ذلك فإني أعيد سرد أبرز حقوق الحاكم المسلم على رعيته وقد ذكرها ابن جماعة الكناني رحمه الله وأفاد بنقلها عنه الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله :
فالحق الأول : بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهي عنه إلا أن يكون معصية ، قال الله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) .
وأولو الأمر هم : الإمام ونوابه – عند الأكثرين – وقيل : هم العلماء
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب – أو كره – ما لم يؤمر بمعصية.... ) .
فقد أوجب الله – تعالي – ورسوله : طاعة أولي الأمر ولم يستثن منه سوي المعصية فبقي ما عداه على الامتثال.
قال العلامة المطهر في شرح هذا الحديث : (يعني :سَمْعُ كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية فإن أمره بها فلا تجوز طاعته لكن لا يجوز له محاربة الإمام ) .
وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه -، قال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فكان فيما أخد علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) .
الحق الثاني : بذل النصيحة له. قال رسول الله: ( الدين النصيحة ) ، قالوا : لمن ؟ قال : ( لله، ولكتابه ولرسوله ولأئمته المسلمين، وعامتهم ) .
الحق الثالث : القيام بنصرتهم باطناً وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين.
الحق الرابع : أن يعرف له حقه وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله – تعالي – له من الإعظام ، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم ، وعدم الطمع فيما لديهم .
الحق الخامس : إيقاظه عند غفلته ،وإرشاده عند هفوته، شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه .
الحق السادس : تحذيره من عدو يقصده بسوء ، وحاسد يرومه بأذى أو خارجي (يعني من الخوارج ) يخاف عليه منه ، ومن كل شيء يخاف عليه منه – على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه – فإن ذلك من آكد حقوقه وأوجبها .
الحق السابع : إعلامه بسيرة عماله الذين هو مطالب بهم ومشغول الذمة بسببهم ، لينظر لنفسه في خلاص ذمته، وللأمة في مصالح ملكه ورعيته.
الحق الثامن : إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة ومساعدته على ذلك بقدر المَكْنَة، قال الله – تعالي -: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ) ، وأحق من أُعين على ذلك ولاة الأمور.
الحق التاسع: رد القلوب النافرة عنه إليه ، وجمع محبة الناس عليه لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة .
الحق العاشر: الذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل ، في الظاهر والباطن والسر والعلانية .
وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة ، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها، صفت القلوب وأخلصت واجتمعت الكلمة وانتصرت بإذن الله تعالى .
ومن المقرر عند السلفيين أن الشرع قد أوجب الصبر على جور وخطأ الحاكم لأن الخروج عليه تترتب عليه مفاسد أعظم ، ومن تأمل التاريخ في القديم والحديث يجد أن أكثر مصائب المسلمين إنما هي من جراء التفريط فيما قرره الشرع في هذا الباب الخطير . قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية : (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور...) .
وهذه إشارات وإلا فإن الأمر بحاجة إلى بسط ومزيد من النقولات والتوضيح إلا أن المقام لا يتيح أكثر من ذلك .
والأمثلة التي يتبين من خلال سردها رسوخ وثبات المنهج السلفي في هذه القضية المهمة مقارنة مع مواقف الكثيرين كثيرة جداً ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بما ذكرت ونقلت وأحيل الأخ القارئ إلى قراءة الكتب التي ألفت في هذا الباب مثل كتاب الإبانة لا بن بطة وشرح أصول اهل السنة والجماعة للالكائي وأصول السنة للإمام أحمد والشريعة للآجري والسنة لابن أبي عاصم وغيرها والاطلاع على ما كتبه الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله في تهذيب وتلخيص كلام السلف في كتبه ورسائله القيمة التي ألفها في هذا الباب.
*وأسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور وأن يؤلف بين قلوبهم وأن يوفق حكامهم للقيام بما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليهم وأن يجعلهم رحمة لرعاياهم وأن يهيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
إن ربي سميع قريب مجيب.
عارف الركابي [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.