كتب الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة «السوداني» يوم الأربعاء الماضي بقلمه الرشيق عن تلقيه مشهد فيديو عبر هاتفه يتحدث فيه إمام مسجد بطريقة تمس الحياء وتتقاطع مع أدبيات الخطاب الإسلامي، ويتناول بعض القضايا بأبعاد جنسية صارخة مستلفة من لغة الحواري وبرندات الأسواق، كما أنه يوجه عادة ألواناً من السباب والسخرية تجاه خصومه بلغة تبدو قريبة من قاموس الهجاء والردح في الحارات المصرية كما تصوره الأفلام، وعادة ما يبدو المسجد وكأنه مسرح للكوميديا، فيدخل المصلون في نوبة من الضحك وبعضهم حتى يدمع، ويقول الأستاذ بلال متحدثاً عن الرسالة: «الرسالة مقطع فيديو لخطيب في أحد مساجد الخرطوم، ربما كان يجيب على أسئلة. والخطيب ذو الجلباب القصير واللحية الكثيفة والنظارة السميكة، كان يستخدم عبارات ولغة تنتسب إلى أدنى نقطة في أسفل المدينة! عبارات جنسية مباشرة، لا تتجمل بالفصحى، ولا تستتر بالإيحاء، لا تصادفك حتى في الأسواق واستادات الكرة! والإمام المزعوم يؤدي ذلك الفسوق التعبيري بطريقة مسرحية تستجدي ضحكات الحضور. والحضور يا سادتي، وهم المصلون في أحد مساجد الخرطوم، لا يخيبون ظناً أمامهم، فالضحكات تتعالى والإمام يوغل في غيه ويزيد بذاءته!! أصدقكم القول لم أستمع ل «صفافير» داخل المسجد، ولكن كل شيء كان متوقعاً، حتى وجود فواصل غنائية لعوضية عذاب من داخل المسجد! فجأة انتبهت لوجود بناتي الصغيرات بالقرب مني، أغلقت سريعاً مقطع الفيديو، وزجرتهن زجرة واحدة، وكأني في ذلك أعاقب نفسي على تعريضهن لتلك الملوثات السمعية! وعبر الصديق «يوتيوب»، عثرت على عدة مقاطع فاضحة لذات الإمام، ينتقد الطرق الصوفية بذات اللغة التي تتعفف عنها الأسواق. الغريب أن الرجل يسأل مستمعيه قبل أن ينطلق في بذاءاته: «في نسوان يا جماعة؟».. وتأتي الإجابة ضحكات لا مبالية ومحفزة على الاسترسال! عرفت من عدد من الأصدقاء، أن مسجد هذا الإمام يمتلئ إلى آخره في كل جمعة، وعندما يبدأ الحديث، تتعسر حركة المرور جوار المسجد!! قيل لي والله أعلم أن سعادة الإمام هو خريج متميز، من معهد الموسيقى والمسرح، ينتمي لمجموعة دينية معروفة!! قلت لنفسي: هل انتهى مشروع تزكية المجتمع إلى أسلمة المسرح ومسرحة المساجد؟!» هذا جزء من مقال الأستاذ ضياء الدين بلال، وكان الشيخ قد أطلق وابلاً من السباب ضد زميلنا علي الصادق البصير قبل حوالى عامين، وكعادته اجتهد في حشد الآيات القرآنية والأحاديث محاولاً أن يؤصل بها كشكول السباب والقذف الذي يستمد منه ألقه من قبل المتلقين، وقال إنه وجد مسوقاً لكلمة «أصلع» التي دمغ بها زميلنا البصير، وقال إذا كان «مكعوجاً لقلتها أيضاً». وكنا قد أشرنا إلى أننا لا نختلف معه في النهج العام، لكننا نخالفه في أدب الردح والسباب الذي لم يكن نهجاً بالطبع للرسول «صلى الله عليه وسلم» ولا أصحابه الأخيار، وصحيح أن الحرب على الباطل ليست فيها مهادنة لكن استفزاز المنضمين إليه جهلاً لا يمكن أن يسهم في إعادة رشدهم وهدايتهم، بيد أنني لا أظن أن الشيخ مهموم حقاً بفقه الإصلاح والهداية الحقيقي لأن بضاعته الجاذبة لا تجد أرضية مناسبة إلا عبر السخرية والمحاكاة والسباب، وبالتالي بعيداً عن بوابة المواجهة الهادئة والكلمة الحسنى والطريق الأخير هو الذي يحقق الاحترام والإقناع الذي يخاطب العقل قبل العاطفة. ولعل عبارة «بدخلك السوق» التي يهدد بها خصومه الذين يخالفونه في الرأي هي إحدى آليات الإرهاب الفكري التي يشهرها الشيخ، إذ أنه عادة ما ينسخ أسطوانات (CD) المتخمة بكل ألوان السباب ويقوم ببيعها، ولا أعلم إن كان ريعها يذهب إلى جيبه أم يكون وقفاً للمسجد؟ والشيخ دائماً يبرر حديثه الفظ بأنه ضرورة لتعرية الباطل، ولكن المشكلة ما هي حدود هذا الباطل في مفهوم الشيخ؟ إذ يبدو أنه فضفاض بحيث أنه يستوعب كل المخالفين له في الرأي، مما يستوجب بالتالي إشهار كل السهام المسمومة والصدئة ضدهم، لهذا فهو لا يجد صعوبة في التلبيس على المتلقين عندما يستدل بفيض من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تؤيد حجيته المضللة، ولا غرو في ذلك، فالخوارج لم يجدوا صعوبة في حشد الآيات المؤيدة لهم، وكل السلاطين الذين سفكوا الدماء على مرِّ التاريخ لم يجدوا عناءً في إيجاد المرجعية الدينية التي تبرر ظلمهم ودمويتهم. وأقول إنني من المتعاطفين مع جماعة أنصار السنة والنهج السلفي، لكني أعتقد أن إطلاق العنان لحنجرة الشيخ الملغومة دون وضع كوابح أو إشارات حمراء أو صفراء، من شأنه أن يؤثر في كسب الجماعة، خاصة كلما تقدم الشيخ في السن واستمرأ أكثر طريق الغلظة والعنف اللفظي وسيلةً وحيدةً للخطاب الدعوي، وأخيراً ما رأي وزارة الإرشاد والأوقاف في كل ذلك؟