بقوله قلة كمية الدقيق من المطاحن للمخابز حاول عادل ميرغني أمين اتحاد المخابز أن يختصر الأزمة في الخبز التي طالت أحياء بولاية الخرطوم في الايام الماضية، ولكن الواقع أن الأزمة بدأت منذ فترة بخروج عدد من أصحاب المخابز بأحياء الخرطوم المتفرقة الذين رأوا أن الشغلانية بصورتها الراهنة غير مجدية فانسحبوا منها .. فالحكومة تزيد في التعرفة الضريبية باستمرار وتطالبهم بالإبقاء على الأوزان وعلى تعرفة الخبز كما هي دون زيادة، فلجأ بعضهم إلى أساليب غير مسؤولة كتقليص أوزان الرغيف خلسة حتى أدخلتهم هذه المسألة في حسابات تجافي أخلاق المهنة وهذا بالمناسبة ليس ببعيد عن برومات البوتاسيوم الممنوعة التي ما عاد هناك من يسأل عنها فلو سألت عنها «حيقولوا ليك الرغيف وينو ببروميد أو بيغرو» السودان ينتج يوميًا «50» مليون رغيفة .. ولاية الخرطوم وحدها تستهلك «30» مليون رغيفة، ما يعني أن هناك تدفقات بشرية هائلة تضاف إلى سكانها الأصليين وهنا يكمن الخطر.. وشعبنا لا يعرف منطقة وسطى حتى في خياراته الغذائية فقد كنا نأكل الكسرة المصنوعة من الذرة فتخلينا عنها للدواجن واتجهنا كلياً للرغيف حتى النساء في أصقاع القرى السودانية أصبحن يعتمدن على الرغيف بديلاً للكسرة وأصابت صدمة متغيرات الحياة المدنية النساء السودانيات بحالة من الكسل والترهل الجسماني والخمول والانسحاب الكلي نحو متابعة المسلسلات «التركية والهندية» وكادت أجيال كاملة من النساء تجهل صناعة الكسرة وباتت الكسرة قريباً سيدة الموائد السودانية تباع في الطرقات العامة مثلها ومثل الليمون وهو منظر كانت تتعفف منه السيدة السودانية. وأبلغ ما يؤكد على ندرة الرغيف اختفاء العيش الناشف الذي كان يزحم المطابخ في المنازل.. أرجو أن لا ندس رؤوسنا في الرمال فهناك أزمة حقيقية وأن تم حل فسيكون حلاً جزئياً فستعود بعده حليمة لقديمة إذا لم يقوم على أسس علمية.. فالناس اعتمدوا اعتمادًا مباشرًا على الرغيف .. زمان كانوا يستهلكونه في إفطار الطلاب في المدارس وفي المناسبات العامة ويعتمدون على الكسرة العادية ولكن لأن الكسرة مدخلاتها عالية وقع العبء على الرغيف مع الزيادة في الغاز وهو من مدخلات صناعة الكسرة أيضاً. قبل أكثر من «15» سنة كان هنالك تفكير بأن يرجع الناس لطعامهم البلدي وهذا ما يؤكد أن أزمة الرغيف ليست وليدة اليوم ولكن الطعام البلدي أصبح صعب لعدم إنتاجنا للحبوب والحرب القادمة عالمياً حرب حبوب والمخجل أنك لا تجد بلد في العالم يستورد غذاءه بالكامل إلا السودان. . ونذكر لأن ذاكرتنا خربة بمؤتمر أيضاً قام في وقت سابق فكر في إنتاج الخبز المخلوط كان ينبغي أن يجد الدعم من الدولة.. لأن هذا قوت والقوت من أخطر السلع ومؤثر جداً في ثورات الشعوب بل صانع للفوضى والانحراف ضد الحكومات.. إذا سألنا عن أين مقررات هذا المؤتمر لا أحد يستطيع أن يجيبنا الآن.. أعتقد أن الدولة كان بإمكانها أن توجه الدعم الذي توجهه للدقيق ولمستوردي الدقيق للقطاع الزراعي العام والخاص وتوجه معها الرسماميل الضخمة في الاستثمار الزراعي لتأمين القوت فليس هناك حياة بلا قوت خاصة وأن بلادنا نعاني من تقلبات في المناخ الدولي بسياساته نحوها والتي غالبًا ما تكون في خانة الضد وتحرم البلاد من ميزات كثيرة .. فالناس اليوم مجبرون بالبحث عن بدائل قبل أن تجهز الحكومة بديلها من المنتج محلياً .. فالناس لا ينتظرون .. ولذلك سيعودون للكسرة .. على الأقل لتأمين قوتهم ويتقوا شر الجوع. علينا أن ندرك حتى لا نرمي باللوم على أصحاب المخابز .. أن صناعة الخبز ليست دقيق وغاز فقط .. بل إن هناك محسنات تستورد يدفع كلفتها أصحاب المخابز .. فإذا طالت الزيادات كل شيء لا يمكن أن يكون أصحاب المخابز استثناء فقط لأن الحكومة لا تريد أن يثور عليها الناس .. علينا أيضًا أن ندرك أن إنتاج الخبز في الشتاء يختلف عن إنتاجه في الفصول الأخرى .. لأن التخمير يحتاج لجو ساخن فإذا كان جوال الدقيق ينتج في الصيف ألف رغيفة فإنه 800 رغيفة في الشتاء. وهذه تفاصيل غير مرئية لا للمستهلك ولا للحكومة، يبقى الحل الجذري للأزمة في إنتاج الحبوب محلية والتركيز على إنتاج خبز سوداني من الحبوب «ذرة طابت قمح قوار» وغيره وأعتقد أن المسألة في مقدورنا وهناك تكنلوجيا متقدمة ومتخصصة في تكنلوجيا الأغذية ولدينا علماء في هذا المجال «ما شاء الله» تتخطفهم الدول.. فلماذا لا نستفيد من خبراتهم في توطين إنتاج وصفة غذائية محلية بديلة للدقيق تكفينا شر الاستيراد الذي بات شبحه يهدد بقاءنا في كل شيء.. فمن العيب ألّا يأكل بلد يدعي أنه سلة غذاء العالم من إنتاجه.. فلنقل أخيراً إن أُس الأزمة في العلاقة ما بين بنك السودان ومستوردي الدقيق .. والسؤال هل الكمية التي يتعاقد عليها بنك السودان مع المستوردين ويوفر مقابلها من دولار جمركي على حساب المواطن تصل كاملة وكيف لنا أن نتحقق من ذلك؟.. ولماذا لا يقوم البنك بنشر قوائم لمستوردي الدقيق شهرياً وما وفره لمقابلتها من دولار جمركي وسعره.. فالشفافية هي طوق النجاة الوحيد خصوصاً في المساءلة المتعلقة بقوت الشعوب.