أظهر الله سبحانه وتعالى قدرته وجبروته وأقداره، فقد قصم ظهر نظام معمر القذافي أولاً ليكون محل اتعاظ، واكتملت العبرة بمقتل الطاغية المستكبر والمتجبر أمس في مدينة سرت مكان مولده ومحل هلاكه.. ويا لها من تذكرة وعبرة لمن يعتبر. قتل القذافي بيد ثوار ليبيا وفتيان شعبه الذي أذاقه سوء العذاب لواحد وأربعين سنة، قهر فيها الليبيين وسفك دماءهم ويتم أطفالهم ورمل واستحيا نساءهم وجعلهن ثكالى وأرامل، ونهب ليبيا وضيَّع ثرواتها وارتكب من الفظائع ما يشيب له رأس الوليد، ولم تشهد الدنيا من قبل ولا من بعد جباراً وفرعوناً وطاغية يستسهل القتل والسحل والخراب والتدمير مثل هذا الرجل، الذي كان لا بد من أن يترد السهم إلى نحره ويرى الله العالمين فيه عظائم قدرته وانتقامه. قتل القذافي شرفاء ليبيا والعالم العربي والإسلامي، وتلطخت أياديه بدماء خيرة شباب الأمة المسلمة من ليبيين وغيرهم، وكان لا يتورع في فعل كل منكر وشنيع، فحوَّل ليبيا لمذبح وساحة للتعذيب والموت، والدم لا يضيع، والنفس التي حرمها الله إلا بالحق تظل تحول حول الجلاد والقاتل حتى يُسقى من ذات الكأس. انتهي القذافي مطارداً وهارباً .... !! وزال عنه بهرج السلطة وطغيانها ونياشينها ومرصع الثياب والصولجان..!! ولم يجد حتى من يدافع عنه ويحميه ويسنده.. قبضوا عليه كما تقبض الجرذان، ملطخاً بالدم معفراً بتراب الخيبة، في المكان الذي ظن أن لن يصل إليه فيه أحد. وفي مقتله عبرة لكل طاغية ودرس لكل متجبر، ففوق قوة كل حاكم متغطرس قوة القوي العزيز، وأكبر من كل متجبر العلي الكبير ذو الجلال والإكرام وذو الانتقام. وفي مدينة سرت.. موطن القذافي من المكان الذي منه خرج، أعاده الله إلى ذات المكان والبطاح، الأرض شبه الصحراوية التي تتخللها التلال الرملية المعشوشبة القصيرة الأشجار، التي تتخللها الوديان والخيران الصغيرة والصخور المفتتة، كانت هنا نهاية معمر القذافي، لتطوى صفحة كالحة من تاريخ ليبيا البلد المسلم وشعبه الطيب المؤمن الصابر. فرَّ القذافي من الموت.. عندما دخل الثوار العاصمة طرابلس، وترك حصنه الحصين في باب العزيزية، لكن الموت لاحقه وسار خلفه حتى جاءت ساعته في سرت..!! حاول الهرب لكن نهايته كانت أقرب إليه من حبل الوريد، وتلك أيضاً عظة، فلا مهرب من الله وقدره إلا إليه، ولا منجاة من سوء العاقبة مهما فعل ودبر وهرب... ضاقت عليه الأرض بما رحبت، يمم شطر الصحراء وتحصن في سرت وسط أهله، لكن مخالب المنية كانت تنشب في عنقه. كل مجد بناه القذافي تهاوى معه، أبناؤه الذين جعلهم يقترفون الجرائم معه في حق الشعب الليبي قتلوا الواحد تلو الآخر وبعضهم مطارد مثلما كان أبوهم .... كل شيء انتهى وانهار في لحظات.. وفي ذلك عبرة أكبر وعظة تسطع كالشمس، ألا مهرب إذا نفذ أمر الذي لا يخيب وعيده موعده. لا شماتة في الموت، ونسأل الله ألا نؤثم على ذلك، لكن موت القذافي هو نهاية حقبة وبداية أخرى، فالرجل الذي تورط في كل المصائب التي ألمت ببلادنا منذ مجيئه للسلطة حتى اليوم وانغمس في صراعات القارة الإفريقية والمنطقة العربية، وتورط في دعم كل المجموعات المسلحة التي تمارس الإرهاب والقتل في العالم من عصابات لمنظمات وغيرها.. هذا الرجل قد انتهى الآن، وبدأ في ليبيا واقع جديد سينعكس على كل المنطقة والعالم.