الكل يتحدث عن نجاح الصناعة اليابانية وكذلك الصينية في غزو أسواق العالم بمنتوجاتها عالية الجودة زهيدة الثمن ووجدت معظم المصانع وخاصة مصانع السيارات في أوروبا أنها لا تستطيع أن تصمد طويلاً أمام ذلك السيل الجارف من السيارات اليابانية وهي تغزو الأسواق ثم تحتل الطرقات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. لقد أصبح هذا العصر هو عصر الصناعة اليابانية والصينية وإذا كانت اليابان تُعرف قديماً بأنها بلاد الشمس المشرقة فإنها الآن بلاد الين المشرق. كل سيارة يابانية تُباع في أي مكان من العالم تزيد في لمعان وتوهج وإشراق ذلك الين الياباني وكما كان المارشال جوزيف بروز تيوت يصوغ حكمة تاريخية تقول: إذا لم تستطيع هزيمتهم فانضم اليهم، هكذا فكرت شركة جنرال موتورز الأمريكية لصناعة السيارات فاكتشفت العجائب. فعندما أغلقت جنرال موتورز أضخم مصانعها في فيرمونت بكليفورنيا في العام 1982 كان سجلها في مجال العلاقات العمالية من أسوأ السجلات. لقد كانت في صدام دائم مع لجنة عمال مصانع السيارات. وبعد عام واحد وبالتحديد 1983 نشأت شركة السيارات المتحدة على أنقاض جنرال موتورز وشركة التايوتا اليابانية فاختفت تلك النزاعات كلمح البصر وأصبحت الشركة الجديدة أكثر إنتاجاً في مجال الشيفروليه والتايوتا من أية شركة أخرى أو مصنع آخر تملكه شركة جنرال موتورز والدرس الذي تعلمته الشركة من اندماجها مع شركة تايوتا كان في مجال العلاقات الصناعية والإنتاجية وبالمقام الأول في مجال الإدارة فالشركة الجديدة تضم 17 عضواً من جنرال موتورز على مستوى المديرين بينما تضم 36 عضواً من شركة تايوتا بمن فيهم رئيس مجلس الإدارة ونائبه وكان أول عمل للإدارة الجديدة أن ألغت الأماكن المخصصة لمواقف سيارات مديري الشركة كما ألغت صالة الأطعمة الخفيفة أو الكافتيريا المخصصة لهم وجعلتها صالة واحدة لجميع العاملين عمالاً وإدارة ثم قامت بقلب نظام قرارات الإنتاج رأساً علىِ عقب وهي القرارات المستمدة من التقاليد الأمريكية في إدارة الشركات والمصانع. فقد اعتاد العمال أن تأتيهم المعلومات الخاصة بتحسين الموديلات وبتغييرها وبطرق تنفيذها من مجلس الإدارة أو من فوق ولكن الإدارة اليابانية تبني على أساس أن الرجل على رأس العمل هو الذي يفهم أكثر من الإدارة ولهذا فالمعلومات تأتي من تحت إلى فوق وليس العكس. كما إن الشركة الجديدة قد أخضعت عمالها البالغ عددهم 2500 عامل إلى تدريبات طويلة مستمرة وأرسلت 500 منهم إلى مصانع التايوتا في اليابان... حيث اكتشفوا أمراً لم يخطر ببالهم فقد وجدوا أن العمال في اليابان أصغر سناً وأكثر نشاطاً ولهذا فهم ينتجون أكثر والأهم من ذلك كله مفهوم العمل عند اليابانيين الذي يختلف كلية عن زملائهم في أمريكا ففي أمريكا يعملون ليعيشوا بينما في اليابان يعيشون ليعملوا وهذا فرق عظيم عبرت عنه الصناعة اليابانية في تفوقها الكاسح. «2» صحيح أننا ننعم بنهرين من أعظم أنهار الدنيا. يلتقيان في الخرطوم مكونين نهراً هو الأشهر والأعظم. ولا يمكن أن يتصور أحد أن يعاني السودان من مشكلة ماء. ولكن الأمر غير ذلك. فمشكلة العالم الآن هي الماء .. الماء الذي يكون أربعة أخماس الكرة الأرضية غير صالح للشرب والماء المتدفق من الأنهار غير صالح للشرب بفعل التلوث والماء الذي يخرج من الأرض ويوجد في الآبار قليل لا يكفي حاجة الأعداد المتزايدة من البشر. والماء الموجود في القطب الشمالي والجنوبي لا يمكن الحصول عليه لأنه متجمد ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة لوجدنا أن زجاجة ماء صحة تستهلك الكثير من التكنولوجيا والمعدات لتصبح ماء صحة... صالحة للشرب... فما هي المسألة بالضبط. القضية تكمن في التكنولوجيا العصرية والتي تنفث في الجو والبر والبحر سموماً هائلة تتزايد باستمرار. فعندما كانت السماوات نظيفة كانت الأمطار تهطل وهي نظيفة تسقي الإنسان والحيوان والنبات وتتخلل التربة لتبقى في جوف الأرض حتى إذا احتاج إليها الإنسان استخرجها. ولكن الأمطار الآن أصبحت أمطاراً حمضية... ليس هناك من يتمنى هطولها على مزرعته أو أرضه لأنها باختصار تحرق كل شيء.. وتسمم كل ذات روح. وتكلفة تحليه مياه البحار هي الأخرى عالية جداً ولا تقدر عليها معظم الدول وخاصة في الدول النامية. ومدينة مثل نيويورك تعاني الآن من نقص كبير في المياه. وتدعو سلطاتُها المحلية المواطنين إلى الاقتصاد في استهلاك الماء. وقد أغلقت العديد من محلات غسيل السيارات وغيرها من المحلات التي تستهلك الماء بكثرة. وربما زاد في تفاقم هذه المشكلة العالمية طريقة الاستهلاك المتبعة اليوم في كثير من البلدان والمدن التي تمدها شبكة المياه. فعندما كان الماء يُجلب من الآبار ويُحفظ في آنية فخارية كبيرة كان الإنسان يستهلك فقط ما يحتاج إليه من الماء. وإن غسل ملابسه أو جسمه استعمل الماء بقدر، إلا أن نظام شبكة المياه الحالي والذي ينتهي بماسورة أو صنبور يزيد في استهلاك الماء بأكثر من الضعف. فالشخص الذي يفتح الصنبور ليغسل يده كم من الماء يسقط على يده وكم من الماء يتدفق في الحوض وإلى المجاري رأساً دون أن يلامس يد الإنسان؟ هذه ملاحظة يجب أن نأخذها في الاعتبار. فمثلما الماء يضيع في المجاري دون استعمال. ولا أظن أن التكنولوجيا العصرية عاجزة عن استنباط وسيلة تجعل الماء يتدفق فقط عندما نضع أيدينا تحت الصنبور ويتوقف عندما نرفع أيدينا من تحت الصنبور وقد جربت هذه الطريقة في عدد قليل من الأماكن ونجحت وذلك باستخدام الأشعة تحت الحمراء تماماً مثل المدخل إلى موقف السيارات حيث لا تبرز التذكرة إلا عندما تقف أمامها. ولكن اقتصر استعمال تلك الصنابير التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء في أماكن قليلة ولو أنها عممت وأصبحت ضرورية لمد شبكة المياه. فلا تمد الماء إلى بيت إلا إذا كانت صنابيره من هذا النوع فإن ذلك سيقلل استهلاك الماء بحوالى الثلثين على أقل تقدير. وهنا يأتي دورنا.. فلو أصبحنا المورد الوحيد للماء النظيف للعالم نصدره في زجاجات مثلما تستورد مياه «فيشي» أو مياه «البيريه» التي تتطلب فقط ضغط ثاني أكسيد الكربون لربما كان ذلك أجدى من تصدير البترول. لأن لتر ماء الصحة يُباع بأغلى من لتر البترول خاصة إذا روجنا لتلك المياه أنها مياه نيلية صافية تأتي من نهر من أنهار الجنة.