لا مراء ولا جدال في أن التغيير الذي أحدثه حزب المؤتمر الوطني في حكومته تغيير كبير، وذو دلالات، ولكن سيصبح هذا التغيير عديم قيمة وجدوى إذا لم يغيّر المؤتمر الوطني سياساته التي أخذت بتلابيب الوطن، فما جدوى تغيير الوجوه إذا كانت السياسات التي تشكل بيئة مواتية لتفريخ الفساد لم تزل باقية وراسخة، ومافائدة تغيير الوجوه إذا كانت سياسات الإقصاء وكبت الحريات خطاً أحمر دونه المهج والأرواح، وما قيمة تغيير الوجوه إذا كان المؤتمر الوطني مازال صدره ضيقاً حرجاً من «الإصلاح» الذي يتطلع إليه منتسبوه. إذا لم يحدث تغيير حقيقي للعقلية التي تتحكم في مصائر العباد والسياسات التي تتسلط على أرزاقهم وتُثقل كواهلهم بأحمال ينوء بحملها أولي العصبة من الشعوب، إذا لم يحدث ذلك، فإننا سنعتبر ما جرى عملية إحلال وإبدال الهدف منها تقاسم مغانم السلطة كما لو أن أناساً كانوا «منغمسين» في مائدة فيها ما فيها من مطايب الطعام، وظلوا بها حتى انتفخت بطونهم وتعذر قيامهم، فأُخذ بأيديهم واُنتُزعوا انتزاعاً ليفسحوا المجال ل «إخوانهم» حتى «يتنعموا» هم الآخرون مثل «إخوانهم» الذين سبقوهم على المائدة وتلذذوا برافه طعامها وفخيم ظلها زمناً طويلاً، لتكون المعادلة والمحصلة النهائية هي تسوية أو ترضية لمحتجين رفعوا عقيرتهم لما نالهم من تهميش ولما أصابهم من احتكار البعض لمواقع أصبحت «ملكاً» لهم من فرط طول بقائهم فيها، وفي هذه الصورة لن يكون التغيير للإصلاح ولا لخير يُراد لعامة الناس، بل من أجل تسوية داخلية ومن أجل «تمكين» أيتام السلطة المهمشين من بقية فتات المائدة التي كانت عامرة، ليصبح الهدف كما لوأنه إفساح المجال ل «يأكل» هؤلاء كما «أكل» أولئك السابقون حتى لا يتفجروا غبناً، أو هكذا تصبح الصورة إذا لم يكن هناك تغيير حقيقي للسياسات القاتلة والرعناء، وإذا لم يتم لجم مراكز النفوذ التي تحمي الفساد وتحصنه من أية ملاحقة وتعيق العدالة.. إن التغيير المطلوب هو محاسبة المفسدين، وإطلاق يد الصحافة الحرة وقوانين حماية المال العام لملاحقة جهابذة الفساد، وتعظيم حرمة القوانين، وتحقيق قيم العدل والمساواة بين الجميع، والتغيير الذي ننشده هو التغيير الذي ينعكس على حياة الشعب رخاءً وعدلاً، وإخماداً لنار الأسعار التي باتت تُصلي قلوب الغلابى المسحوقين حمماً لا تطاق، فالسودان ليس ملكاً ل «جماعة» المؤتمر الوطني، ألا فاتقوا الله في عباده الذين بلغت معاناتهم الحناجر فما طالوا عدلاً ولا رحمةً.