أوردت «الإنتباهة» أمس أن الرسوم المفروضة على الدرداقات أثارت جدلاً بين نواب المجلس التشريعي بولاية الخرطوم على خلفية قمية الرسم المفروض عليها والوارد في الموزانة بقيمة «15» جنيهًا شهرياً، ووافق رئيس المجلس محمد الشيخ مدني على إرجاء مناقشة الرسوم لحين مراجعتها وإعادة النظر فيها، فيما أيد نواب تحديد مبلغ «15» كرسم يُدفع شهرياً باعتبارها من المهن الهامشية التي يعمل عليها البسطاء، بينما أكد البعض الآخر أن الرسوم التي تجنى من الدرداقات تقدر بمبلغ «7» جنهيات يومياً الأمر الذي يشكل أعباء إضافية على العاملين البسطاء في وقت تنادي فيه الولاية بتخفيف العبء على مواطنيها. ونحسب أن مبلغ السبعة الجنيهات الذي أشار إليه بعض النواب أنه مفروض بالفعل هو الذي سيستمر، والمعروف أن للرسوم والجبايات عباقرة في المحليات يتفنون في ابتداعها، وكلما كان الخيال واسعاً كانت القيمة أكثر، ومن الطرائف أن الأستاذ الفاتح جبرا في عموده الساخر كتب عن جبايات افتراضية على جناح الخيال لكنه عاد بعد فترة قصيرة وقال إن بعضها تحقق بالفعل، واستشهد برسوم اللافتات، لكن بالرغم من أن خيال الأستاذ جبرا الإبداعي استقرأ هذه الجباية لكن الواقائع تقول إن عباقرة الجباية هم الذين سبقوا خيال الأستاذ جبرا حينما طبقوها قبل حوالى ست سنوات، وربما أكثر، وأذكر أنني كنت قد علقت عليها في ذلك الوقت «ويا أستاذ جبرا الناس ديل ما بتسابقوا»، والمعروف أن الخيال الجبائي شمل رسوم الملاريا والنفايات ورسوم إيجار عناقريب ودرداقات ورسوم عبور لكبري براميل للمشاة كداري في ترعة بولاية وسطية أشرنا إليها في وقت سابق، «لكن تم إلغاء الجباية المجنونة» وتم وأدها وحُرمت الصحافة من توثيق تلك العبقرية الجبائية المميزة، وكنت أكثرهم تحسراً لاهتمامي الكبير بثقافة الجبايات، وكنا قد أشرنا من قبل إلى قضية أصحاب الدرداقات في الأسواق بعد أن تفتقت عبقرية بعض المحليات بإدخال الدرداقات في عطاءات الاستثمار واحتكارها بواسطة شركات خاصة بينما لا يسمح لأي صاحب درداقة من العمل بعيداً عن مظلة الشركة وكان عدد من الصحف قد تلقت آنذاك شكاوى عدد من أصحاب الدرداقات في سوق ليبيا يشتكون من منعهم من العمل إلا بواسطة الشركة نظير إيجار قدره عشرة جنيهات في اليوم، وفي حالة المخالفة يتم تغريمهم ثلاثين جنيهًا، كما تتم مصادرتها في حالة تكرار المخالفة، وأشار تحقيق صحفي في تلك الفترة إلى وجود عشرات الدرداقات المحجوزة داخل الوحدة الإدراية بالمحلية، ولعل اللافت في هذا العطاء الاحتكاري أنه يستهدف شريحة بسيطة من الشرائح الاجتماعية ويقطع عليهم طريق الرزق الحلال المباشر متمترساً تحت حجية التنظيم والاستثمار المنظم، في حين أن تنظيم هذه المهنة داخل الأسواق لا يحتاج إلى شركة تحتكرها، بل بفرض رسوم اسمية لتسجيل العاملين فيها وليس تحويلهم إلى أجراء بعد أن كانوا ملاكاً، ثم يقفز االسؤال المنطقي الملح وهو هل جف خيال الاستثمار داخل المحليات حتى تلجأ لاحتكار عرق البسطاء في مهنة متواضعة العائد وقودها الأساس هو سواعد صاحب الدرداقة. ولا شك أن لجوء بعض المحليات إلى احتكار الدرداقات وعناقريب النساء في بعض الأسواق الشعبية لا يعبِّر فقط عن ضعف الخيال الاستثماري لكنه أيضاً مؤشر للنهم الشرس لجمع الموارد المالية، فضلاً عن أنه عنوان على ابتعاد البُعد الإنساني والإحساس الشفاف بالنبض الجماهيري عامة، بيد أن الملاحظ أنه بالرغم من ازدياد النهمة الجبائية الشبقة للعديد من المحليات لكن المردود على مستوى الخدمات الأساس في المناطق التي تتبع لها مازال ضعيفاً جداً سواء كان في مجال خدمات التعليم أو الصحة أو البيئة، فبعض المدارس يتحمل فيها أولياء الأمور دفع فاتورة الكهرباء ورسوم الامتحانات والكتب والكراسات وربما الطباشير والدروس الإضافية، كما تعاني بعض المناطق من عدم وجود مصارف الأمطار جيدة التصريف وهجمات جحافل البعوض ووجود النفايات على الطرق وعدم انتظام السيارات المخصصة لذلك مما يطرح ظلالاً من الشك حول عدم الترشيد الجيد لموارد هذه المحليات رغم توسعها الأخطبوطي في جبايتها، ومن غرائب الحكايات الجبائية التي ذكرناها قبل سنوات أن أحد موظفي المحليات أوقف بائعاً متجولاً يحمل كرتونة سلع متواضعة العائد فطالبه برسوم باهظة فما كان من البائع البسيط إلا أن أخرج سكيناً طارد بها الموظف، ولعل عددًا من التجار الذين شاهدوا المشهد تابعوه بشماتة مكتومة، هذا إن لم يعلنوا تضامنهم بشكل صريح رغم خطأ المسلك الذي قام به البائع الشاب. «ويا ناس المحليات خلوا ناس الدرداقات وأصحاب العناقريب في حالهم وإلا فاعملوا حسابكم من بائع الكرتونة أبو سكين طويلة».