قالت صحيفة النيويورك تايمز فى تقرير نشر فى عددها الصادر امس بعنوان «دور رائد للسودان فى الصراع بدولة الجنوب»، ان الولاياتالمتحدةالامريكية تطالب جانبي الصراع فى دولة الجنوب بالاحتكام لصوت التفاوض، فيما تهدد يوغندا بالتدخل العسكرى وتطالب الصين بوقف فورى للقتال في وقت فر فيه آلاف اللاجئين الى دول الجوار، وتقول الصحيفة إن الصراع فى دولة الجنوب قد اجتذب اهتمام القادة فى جميع أنحاء العالم، وذلك لأنهم يراقبون الموقف عن كثب وبقلق بالغ، ويقول التقرير: قبل أن تنفصل دولة الجنوب فى عام 2011م خاض البلدان حرباً اهلية طويلة امتدت الى قرون، إلا أن الانفصال لم ينجح فى فصم جميع عرى العلاقات التى تربط البلدين، حيث ظل النفط الذى يتدفق من الجنوب للشمال شريان حياة يغذى علاقة التزاوج الصلبة والشائكة فى آن واحد، بالرغم من أن القتال الأخير قد أعاق إنتاج النفط بعد أن فرَّ العمال الأجانب خوفاً من نيران القتال فى ولايات الوحدة وأعالي النيل، وأغلقت الشركات أبوابها، ولما كانت كلا الدولتين غير قادرتين على الاستغناء عن عائدات النفط فإنهما يسعيان الآن إلى التفاوض حول قوة مشتركة من أجل حماية البنية النفطية، وهو أمر كان فى حكم المستحيل قبل سنوات قليلة. ويقول التقرير إن الآلاف من المواطنين الجنوبيين في المدينة قد فروا عبر النيل الأبيض عن طريق القوارب متجهين الى السودان، حيث نزل أكثر من «76» ألف مواطن جنوبى بمنطقة أويريال، وقال أحمد كرتي وزير الخارجية السوداني للصحافيين فى الخرطوم إن السودان ودولة الجنوب يجريان مشاورات حول نشر قوة مشتركة لحماية حقول النفط فى الجنوب، وقال انه تم ارسال «900» من الفنيين السودانيين الى المناطق الغنية بالنفط فى جنوب السودان بناءً على طلب جوبا، وقد جاءت تصريحات كرتي عقب الرئيس البشير إلى جوبا لمناقشة الأزمة التى تمزق الدولة الوليدة، وقد ضم الوفد شخصيات نافذة فى حكومة الخرطوم مثل وزراء كل من الدفاع والخارجية والنفط ورئيس الأمن والمخابرات، وقال الرئيس البشير للصحافيين فى جوبا: اتفقنا على تقسيم السودان الى دولتين من أجل السلام، وقناعتنا هى أن الأنشطة المسلحة لا تحل المشكلات، ومن المهم الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل الى اتفاق. وتقول الصحيفة إن السودان لديه الكثير على المحك فى حال أثر القتال فى دولة الجنوب سلباً على إنتاج النفط، حيث يعول السودان كثيراً على رسوم العبور والتكرير، خاصة بعد فقدانه آلاف الدولارات من عائدات النفط بعد انفصال الجنوب، وعليه فإن النهج الذى تنتهجه الخرطوم تجاه الصراع يمكن أن يغير اتجاه الصراع باكمله فى دولة الجنوب، ويقول جون رايل مدير معهد ريفت فالى والاستاذ بكلية براد إن زيارة البشير لجوبا تثبت اهتمام كل من الخرطوموجوبا المتزايد بالنفط، ويبدو جلياً أن أمن الحدود وتأمين استمرار ضخ النفط اولى أولويات الرئيس البشير، خاصة ان الخرطوم قد شهدت مظاهرات عنيفة بسبب رفع الدفع عن البنزين، وتحاول الخرطوم جاهدة تعويض عائدات النفط من خلال رفع الدعم، الأمر الذى ضاعف سعر البنزين والجازولين الى الضعف تقريباً، وقد جعل القتال الأخير الوضع اكثر سوءاً فى السودان بعد أن ارتفع سعر الدولار فى السوق الاسود مقابل الجنيه تخوفاً من وقف انتاج النفط فى المستقبل، وتقول الصحيفة ان القادة الافارقة قد ولوا شطر جوبا فى محاولة لرأب الصدع بين الاشقاء، حيث سافر اوهيورو كينياتا وهيلى مريام إلى جوبا، ولحقهم موسفينى ثم البشير، غير أن موسفينى تخطى حدود الوساطة ليطلق تحذيراً مباشراً للمتمردين قائلاً: يجب هزيمة المتمردين عن طريق قوى إقليمية حال لم يوافقوا على وقف اطلاق النار، ويقول مسؤول امريكى كبير فضل حجب هويته للصحيفة: نأمل ألا نصل الى المرحلة التى نشعر فيها بأننا بحاجة للتدخل، وترى الصحيفة ان المحادثات فى أديس ابابا تسير بصورة متعثرة للغاية بعد أن اختلف الفصيلان حول اطلاق سراح المعتقلين الذين تتهمهم جوبا بتدبير انقلاب عسكرى، وهو الأمر الذى ينفيه مشار بشدة ويوكد عدم وقف اطلاق النار حال لم يتم العفو عن حلفائه. وترى الصحيفة أن عرض البشير للتعاون مع جوبا قد جلب الارتياح الى الرئيس سلفا كير، خاصة ان السودان كان يدعم خصمه الدكتور رياك مشار الذى انشق من حزب الحركة الشعبية الذى يحاربه الآن، حيث وقع مشار اتفاقية سلام مع الخرطوم، وهو ما اعتبره كثير من رفقائه الجنوبيين خيانة، ولكنه عاد فى وقت لاحق قبل اتفاقية السلام فى عام 2005م. ويقول صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم إن القتال بدولة الجنوب يثير مخاوف الأمن على المدى الطويل بسبب الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين، كما أن الصراع الداخلى فى الجنوب وإفريقيا الوسطى سيؤدى الى تدفق المزيد من الأسلحة واللاجئين ويخلق تحالفات اقليمية جديدة، كما أن الخرطوم تخشى أن يسعى المتمردون السودانيون إلى التحالف مع المتمردين الجنوبيين، حيث أن المتمردين الشماليين كانوا جزءاً من جيش دولة الجنوب، وينظر اليهم قادتهم على أنهم حلفاء، وبخاصة الفصيل الذى يسمى أولاد قرنق، حيث سجن اثنان من هذا الفصيل بعد اتهامهما بالمشاركة في الانقلاب الأخير، مما يدل على احتمالية وجود عدو مشترك بين السيد سلفا كير والخرطوم. وتقول سارة بانتوايانو رئيس مجموعة السياسة الإنسانية فى معهد التنمية لما وراء البحار فى لندن للصحيفة: إن السؤال هو هل يستمر هذا التحالف ان لم يعد مناسباً للخرطوم، خاصة أن مشار كان فى السابق حليفاً لها. وأضافت أن هذا زواج تحكمه المصلحة .