من خلال منتدى نظّمته ورتّبته منظمة إفريقيا العدالة تحت عنوان «رؤى منظمات المجتمع المدني لمستقبل السودان» وقدّم فيه مجموعة من الخبراء و«الأكاديميين» الذين انتقتهم منظمة إفريقيا العدالة بعناية فائقة عدداً من الأوراق عمّا بعد الانفصال وتحدِّيات البناء الدستوري وضمانات الحقوق المدنية والسياسية والحكم الفدرالي والمأزق الاقتصادي. وأكد مدير المنظمة السيد حافظ إسماعيل على مسؤولية المجتمع المدني في مواجهة التحديات الماثلة والعمل على تعزيز الإيجابيات وتجنُّب السلبيات. إلا أن الأستاذ مدير المنظمة لم يشأ أن يعرف ما هي منظمات المجتمع المدني في مفهومه هو أو في عرف منظمته أو ما إذا كان هناك تعريف وتحديد متفق عليه بين الفرقاء، هذا حسب المصدر الموثوق الذي اقتبسنا منه. وشاءت المنظمة المحترمة أن تكون الورقة الأولى من المؤتمر أو المنتدى من نصيب أكبر شخصية خلافية في الصراع الدستوري في السودان منذ الانتفاضة، فكان مقدِّمها هو الأستاذ طه إبراهيم جربوع المحامي الذي عُرف في الفترة الانتقالية وتسنم أخبار الصفحات الرئيسية في كثير من الصحف بسبب قضاياه ومواقفه الفكرية حول الدستور وقوانين الشريعة. ولقد حصلنا على ورقته من أكثر من مصدر، ونحن إذ نتعرّض لها بالمناقشة والأسئلة والأجوبة لا نفعل ذلك لأننا نخاف من أثرها العميق أو المحتمَل على أهل الإيمان ولا على أهل السودان.. ولا نناقشها على أنها تؤسِّس لحوار بنّاء في محاولة إقرار دستور دائم يتوافق عليه أهل السودان وأهل الإيمان، فالدستور الدائم أصلاً موجود والتوافق عليه قائم منذ دهور ولا ينفي ذلك فترات التفلُّت ومراحل التدخُّل أجنبيًا كان أو داخليًا لأن التدخل والتفلت يمثلان الاستثناء الذي يُثبت القاعدة ولا ينفيها.. فالدستور الدائم موجود في نصين: موجود في القرآن وفي الوجدان.. والأنظمة السياسية ظلت تحاول تدوينه في وثيقة تحمل لغة العصر ليكون حجة على جميع أهل السودان، وليس أدل على قولنا هذا من أن التحوُّلات والأنظمة التي قامت وسقطت في السودان في الخمسين عاماً الأخيرة كانت كلها تدور حول الدستور المكتوب والمدوَّن وليس الدستور الذي يحفظه القرآن ويكنُّه الوجدان فذلك لا سبيل لأحد عليه.. وهو الذي يقود المعركة ويوجِّهها، ولولا القرآن والوجدان لكنا اليوم منقسمين بين الصليب والمطرقة والصليب المعكوف وكل خزعبلات المجتمع العلماني المعاصر.. إذا كان مقدِّم الورقة حقيقة هو طه إبراهيم جربوع المحامي الذي ظهر في الفترة الانتقالية أو كان طه إبراهيم آخر فنحن نسأله ونعتذر إليه من أن نسبب له حرجاً أو ضيقاً قدر أو أقل من الجرح الذي شعرنا به، والسؤال يتكون في خاطرنا ووجداننا قبل أن نعتزم البوح به.. نحن لا نناقش أقواله ولا نسعى لشرحها له ولا لأحد غيره فنحن على قناعة بأنها ليست ذات خطر على أحد سواه إلا من كان على مثل ما هو عليه من القناعة، نحن نقرأ عليه عبارته ونوجه إليه سؤالنا: «بالإضافة إلى التنوع العرقي والديني واللوني والثقافي وتقاطعاته والاستعلاء الديني بجانب التهميش والتخلف والتنمية غير المتوازنة وأخيراً الإسلام السياسي والاستعلاء الأيديولوجي والخديعة الكبرى التي روّج لها الإسلام السياسي حول منهج القرآن في التشريع». وتحدث الأستاذ مقدِّم الورقة عن «الخديعة التي يمارسها الإسلام السياسي وهي القبول ظاهرياً برؤى مستنيرة كالديمقراطية وبعض الحريات وإبداء المرونة حول حرية الرأي». والخديعة التي يتحدث عنها مقدِّم الورقة هي الاعتقاد بأن الإسلام نظام سياسي «موحى» به وإقامته من فرائض الإسلام «معتبراً» أن أخطر ما تدعو إليه الشريعة هو جعل مشروعية الفعل والسلوك والقول رهينة بدين من ارتكب الفعل بمعنى جعل الدين والشريعة معياراً لمشروعية الفعل وعدم مشروعيته». أيها القارئ الكريم.. لا تعجل عليّ وتذكّر أنني لن أناقش فحوى ما جاء في الورقة.. لأنه لن يضر إلا قائله.. ولكن السؤال يكاد يطفر من فمي وأنا أجمعه حتى أستكمل العرض. يقول مقدِّم الورقة إن التكاليف المتمثلة في عقوبات الرجم والقطع والقصاص جاءت على قدر قامة وسع الناس في ذلك الزمان، ويقول الأستاذ مقدم الورقة «إن الأصوليين السلفيين بحسن نية ظنوا أن التكاليف جاءت على قدر قامة وسع الإنسان مطلق الإنسان وليس إنسان القرن السابع عشر «أظنه يقصد السابع» لهذا قالوا صلاحيتها لكل زمان ومكان. ويسأل معدّ الورقة «هل التكاليف المتعلقة بالرق وأحكام الرقيق التي جاءت بنصوص قطعية السند والدلالة هل جاءت لتصلح لكل زمان ومكان، وهل التكاليف القرآنية حول الجهاد بالسيف وضد من يمارس وغنائم من أخذ الأموال وسبى النساء والأطفال بين المقاتلين هل هذه الأحكام صالحة لكل زمان ومكان. وحسب المصدر الموثوق الذي استقينا منه فإن مقدم الورقة يقول «إنه بالرغم من الادعاء السائد في أن التنوع مصدر للقوة إلا أن من الثابت أن التنوع العرقي ظل يشكل صدراً لانتهاكات جسيمة للحق في المساواة والديمقراطية من خلال رغبة الأغلبية على أن يعبر الدستور عن هويتها وعقيدتها» وأشار إلى «اعتقاد البعض خاصة المؤمنين بالشريعة الإسلامية أنهم الوحيدون على الحق والصواب». ويختم مقدم الورقة بالقول «إن الفقه الجديد هو المدخل القانوني الصحيح للبناء الدستوري والقانوني الذي يوفق بين الدين وحقوق الإنسان». لقد اجتهدنا في استخلاص أهم ما جاء في أقوال المحامي طه جربوع وحرصنا على أن نفطم أنفسنا عن محاورته ومناقشته ظناً منا أن أقواله ترد على نفسها مع أننا ساورتنا الأمارة بالسوء وراودتنا بأن نرد عليه أو نعلق مجرد تعليق عابر.. ولكننا ألزمنا أنفسنا شيئاً ليس يلزمها فالتزمنا به.. والسؤال: يا أيها المحامي والمفكر: دعك من شرائع الحكم والرجم والقطع والجهاد.. والرق والعتق.. دعك من كل ذلك.. كيف أنت عند الشعائر.. الصلاة.. والصوم والصدقة وإلخ.. وهل الركن الأول من الشرائع أم الشعائر؟