يتفق معظم الباحثين على أن جملة التحولات الكمية والنوعية التي طرأت على وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة وما أدت إليه من نتائج مهمة في واقع الحياة الاجتماعية والسياسية بأشكالها المختلفة، تُعد من أهم الخصائص التي يتميز بها عالمنا المعاصر.. ولكن هذا التغيير لا بد أن يستصحب معه قوانين متعلقة بما يُتاح لهذه الوسائل من معلومات الالتزام بها حتى تؤدي دورها بصورة كاملة تلبيةً لتطلعات هذه المجتمعات وإرساءً لدعائم الإعلام الأساسية من شفافية ومصداقية. اللافت للنظر أن بعض المؤسسات درجت على استخدام عدة أساليب مع الصحافيين باعتباره نوعاً من التسويف والمماطلة، لتحول بينهم وبين ما يسعون وراءه من معلومات بسيطة أو إحصائيات لإفادة الرأي العام نحو قضية معينة ذات أبعاد اجتماعية وفي أحيان كثيرة سياسية بحتة، وقال رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بروفسيور علي شمو إن طلب خطابات معنونة لجهات بعينها هي مماطلة تحدث كثيراً وبصورة واضحة، وأكد أن القانون يعطي الصحافي الحق في امتلاك المعلومات إلا تلك التي تتعلق بالأمن القومي كما يحدث في كل بلد، وقال إنها من المبادئ الأساسية التي تُدرّس وينص عليها القانون. وتنص المادة «39» الفقرة «1» من الدستور، على أن لكل مواطن حق لا يُقيَّد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة دون المساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون. ويرى مراقبون أن هذا الحق يضع على السلطة واجبين أولهما سلبي ويتمثل في ألا تتدخل بالقانون ولا بالإجراءات التنفيذية لتمنع انسياب المعلومات، وهذا لصيق بحريتي النشر والصحافة، أما الثاني والإيجابي فهو أن تقوم الحكومة بإتاحة المعلومات التي تتجمع لديها بوصفها سلطة عامة لكافة الناس تحقيقاً للشفافية بأن تُدار شؤون الحكم على مرأى ومسمع من المواطنين، لأن فساد الحكم بمختلف أشكاله يبدأ بالسرية، وأن الحركة التي انتظمت العالم بأسره لتحقيق الشفافية أدت إلى صدور عدد من التشريعات، تلزم الدولة بإتاحة المعلومات الرسمية التي تحتفظ بها، في الحدود التي لا تضر بالمصالح التى يتوجب على الدولة حمايتها. وهذه التشريعات ليست بعيدة عن قانون الصحافة والمطبوعات الذي صنف في المادة «27» الفقرة «1» البند «2» على أنه يجوز لأي موظف عام أو شخص أو جهة ممن في حيازته معلومات عامة بالدولة والمجتمع إتاحة تلك المعلومات للصحافيين، ما لم يكن قد سبق تصنيفها بموجب قانون أو بقرار من أية جهة مختصة على أنها معلومات لا يجوز نشرها.. ولكن هذا لم يرفع عن الصحافي ما يجب أن يلتزم به من واجبات، فقد نصت المادة «28» الفقرة «1» على ألا ينشر الصحافي أية معلومات سرية تتعلق بأمن البلاد أو بالقوات النظامية من حيث الخطط والتحرك، ويجب أخذ المعلومات من الناطق الرسمي باسم القوة المختصة، مع توخي الصدق والنزاهة في أداء مهنته الصحفية، مع التزامه بالمبادئ والقيم التي يتضمنها الدستور والقانون. ويؤكد مختصون أن حجب المعلومات من قِبل الجهات المسؤولة مؤشر غير صحي في ظل المرحلة الحالية والتغيير الذي يدور بالساحة السياسية سعياً لإرساء دعائم الديمقراطية التي يكفلها الدستور والقانون للمجتمع، والتي يرى نائب رئيس تحرير «الرأي العام» محمد عبد القادر أنها سلوك غير رشيد، وبغض النظر عن المرحلة الحالية فإن الحصول على المعلومات حق مقدس، وإخفاؤها يتعارض مع مبدأ الشفافية، مما يُقيد حرية النشر والتعبير، والدول المتقدمة بها قوانين تحمي حق الصحافي في الحصول على المعلومات، وهو أمر مضمن في القوانين والدساتير، كما أنه من المؤشرات الحضارية، واستدرك بقوله إن ميثاق الشرف الصحفي والرقابة الذاتية ينظمان عملية النشر، وهي التي تميز بين ما يمكن أن يُنشر وما لا يُنشر، والصحافة السودانية مسؤولة، وبإمكانها التمييز بين المعلومات التي تفيد القارئ والتي تهدد الأمن القومي، وأن الأصل اتاحة المعلومة للنشر أو حرية الحصول عليها بالنسبة للصحافي، على أن تُنظم القوانين لوضع حدٍ لأي تجاوز لهذا الحق إذا تم توظيفه بشكل خاطئ.