وهَاهوَ الليلُ يتسرّب خلالكَ مياهاً داكنة السّواد.. كيفَ كُنا، نحنُ الاثنان، واحدا وكانَ لونك لونَ الذّهبِ أمْ لوْنِ العسلِ أم هوَ اللهيب..؟ ثمّ أعثر عليكَ تحتَ جفنيَّ المُغمضيْن بلا وجهٍ في فضاءٍ فسيح يكون أجوَفا بعد منتصفِ الليل كلمات المبدع السينمائي التشكيلي الراحل حسين مامون شريف ترجمها الأديب الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم وهو من قال عنه فى ذكراه الأولى قبل ثماني سنوات: يأتي في بنطلون الجينز الأزرق، قميصه كالمعتاد بلا ياقة، بلا زرار، متأبطاً حقيبته المصنوعة من جلد أصيل، أو يعلقها في دعة على كتفه الناحل. يجلس إلى مكتبه المطلّ على حديقة المصلحة «مصلحة الثقافة»، وهي حديقة من بقايا آثار الإنجليز، إذ المكاتب تقوم في بيت قديم من بيوت الإداريين البريطانيين القدامى. في ركنه القصيّ عدة غرف صغيرة، كانت أصطبلات لخيول ساكنيه. تأتي القهوة معه، ونتحلق حوله، ونسمع الحكاوي». وما يزال الناس يتحلقون حوله حتى بعد الرحيل.. وها هي الذكرى التاسعة ويقام فيها تزامنًا وبالخرطوم مهرجان السودان للسينما المستقلة ويهدى المهرجان في دورته الأولى إلى روح الفقيد الأستاذ والمعلم والملهم وتخصص ليلة كاملة لأجل الراحل إبداعه وسيرته وإنتاجه.. حسين شريف حفيد الإمام المهدي الإنسان المتواضع الهادئ والمبدع الهادر بدأ الإخراج السينمائي الوثائقي في أول أفلامه «رمي النار» عام «1973م» وهو عن عادات قبيلة من جنوب شرق السودان يرمون الحجارة عند شروق الشمس بعد موسم الحصاد، وحقق فيلمه الثاني انتزاع الكهرمان «1975م» نجاحًا في المهرجانات الدولية. يقول أديبنا جمال إنه لمّا جاء حسين بمشروعه الشاعري السينمائي عن مدينة سواكن الأثرية عند ساحل البحر الأحمر، بصَمَ «الفنان» الصلحي، قبل أن يبصم «الوكيل» الصلحي، على موافقة ومساندة للمشروع، ليكون جهداً تنتجه مصلحة الثقافة الناشئة، فيعرف الناس أن قسم السينما فيها، يفعل المعجزات، بإمكانيات ضئيلة و موازنات مالية شحيحة، و لكن بخيال إبداعيّ جبار .يقولون «من خلًّف لمْ يمت»!! وهي تقال في الذرية حفظهم الله ورعاهم. ويجوز لنا أن نطلقها ونعني بها ما خلَّف الراحل من إبداع متنوع في الرسم والإخراج والتصوير والشعر فأي حياة نابضة ترك لنا ..!وما خلف وراءه من تلامذة حفظوا الدرس والعهد يسيرون على الدرب يحيون ذكراه ويتمون ما بدأه.. وكل ما نرجوه ونضم صوتنا لصوت الدبلوماسي جمال أن تتحرك الجهات المختلفة المعنية بهذا الإبداع ويُجمع ويُعرض بما يلزم على الناس وفاء واحتفاء بالراحل المقيم ومن بعد الرحيل ومن قبل الإبداع ملك للجميع ويسمو دون حساسيات أو منغصات.. لكم التحية