أصدر السيد والي ولاية الجزيرة قراراً حل بموجبه كل المجالس التشريعية في المحليات السبع بالولاية. وجاء في الأخبار أن مجلس تشريعي محلية أم القرى بمساندة أجهزة الحزب بالمحلية كان ينوي طرح صوت ثقة في المعتمد لإقالته من منصبه فبادر الوالي باتخاذ قراره المشار إليه قاطعاً عليهم الطريق لئلا يمضوا قُدماً في تنفيذ ما اعتزموا فعله. وشهدت محليات أخرى خلافات وشد وجذب وعمليات استقطاب وظهور مراكز ضغط مناوئة أو ممالئة. والمعروف أن الوالي هو الذي يصدر قراراته بتعيين المعتمدين بعد استشارة ومباركة المكتب القيادي للحزب بولايته. وأن المعتمد لا يتم اختياره بالتزكية أو الانتخاب من قبل المجلس التشريعي للمحلية أي أن الوالي هو الذي يعين وأن المجلس التشريعي للمحلية من حقه المحاسبة. وإن سابقة أم القرى التي أجهضت تطرح سؤالاً يحتاج لإجابة واضحة لتحديد من هو الذي يحق له الإعفاء أو الإبقاء هل هو الذي يعين أم الذي يحاسب ويراجع ويدين إذا ثبت له بالدليل المادي أن هناك إعوجاجاً يحتاج لتقويم ويجب تحديد الاختصاصات والصلاحيات وعدم ترك الأمور سائبة!! وإن المعتمد الذي يتم تعيينه بواسطة الوالي يصبح تلقائياً هو رئيس حزب المؤتمر الوطني بمحليته حتى لو أتى من داخلها أو من خارجها ولم يكن مصعداً من القواعد ومجازاً ومنتخباً من مؤتمر عام الحزب بالمحلية والشواهد على ذلك كثيرة ويتم دائماً اختيار نائب لرئيس الحزب عن طريق مجلس الشورى بالمحلية، ولكن في جل المحليات إن لم أقل كلها يصبح نائب رئيس الحزب تابعاً للمعتمد ودائراً في فلكه ولا يمكن معالجة هذا الداء إلا بدواء ناجع يقضي بضرورة الفصل التام بين الدولة وأجهزة الحكومة وبين الحزب ومنظماته ومكتب معلوماته وألا يرضع الحزب ومنظماته من ثدي الدولة ولا يأخذ منها ولا قرشاً واحداً وألا يستغل مواردها وأجهزة إعلامها واتصالاتها ومواصلاتها ومبانيها وإن على المعتمد أن يصرف مهامه المكلف بها من قبل الدولة وإذا أراد أن يباشر مهامه الحزبية فعليه أن يفعل ذلك في فضول وقته دون خلط بين المهمتين ودون استغلال للنفوذ الرسمي للكسب الحزبي وينسحب هذا القول أيضاً على رئيس المجلس التشريعي ومجلسه الذي ينبغي ألا يدور في فلك المعتمد وهذا يقتضي أن تكون له استقلاليته الإدارية والمالية ولكنه إذا ظل في كنف المعتمد وتحت ظله فإنه لا يستطيع محاسبة أحد بل سيغدو ملوي اليد مسلوب الإرادة (والعين لا تعلو على الحاجب) ولا يمكن عض اليد التي تمنح وتمنع!! ولا ندري ما هو سبب إضعاف الحراك المجتمعي في كل المجالات الدعوية والسياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية فهل المقصود هو تحجيمه ليتم توجيهه وفق الهوي والمبتغي أم أن إضعاف الحكم المحلي مرده للإهمال، وقد دمر التعاون ووئد التموين وحولت المجالس الريفية ومجالس المدن لوحدات إدارية ضعيفة تركز جل همها في تحصيل الرسوم والاتاوات...الخ. أما اللجان الشعبية فقد حولت من لجان خدمية فاعلة إلى لجان تعبوية موسمية ولذلك انصرف عنها المواطنون وأخذت تغط في نومة كهفية عميقة. ولا بد من إيقاظ المجالس المحلية واللجان الشعبية من سباتها العميق لتباشر سلطاتها الأصيلة وتقوم بمهامها كما كانت تفعل في الماضي. وإن كل المجالس التشريعية بالمحليات في كل ولايات السودان قد كونت قبل سنوات طويلة وأكملت دورتها الأولى وقدرها خمسة أعوام ومنحت خمسة أعوام أخرى وكما قيل (أم جركم ما بتاكل خريفين) ولكن مجالس المحليات المشار إليها تأكل الآن خريفها الثالث وأمضت قرابة اثني عشر عاماً متصلة بلا انقطاع وتكلست وتحجرت وإن الواجب يقضي بأن تحل كلها في كل الولايات ليعاد تكوينها من جديد كما فعل والي الجزيرة الذي اتخذ القرار الصائب في الوقت الخطأ. وأن هناك أجندة عديدة وتفاصيل تتعلق بولاية الجزيرة لا يتسع المجال للخوض فيها ولنترك ذلك لوقت آخر وهي تحتاج لعدة حلقات وهناك ثمة ملاحظة وهي أن الكثيرين من أبناء الجزيرة مرتبطون بالخرطوم والعاصمة القومية أكثر من ارتباطهم بود مدني وإن عشرات بل مئات الباصات والحافلات والمركبات العامة والخاصة تأتي يومياً للعاصمة محملة بمواطني الجزيرة ثم تعود بهم ولذلك فإن الكثيرين يفشلون فشلاً ذريعاً في معرفة أسماء بعض الوزراء الولائيين بالجزيرة وتبعاً لذلك فإن صلتهم بالسلطة هناك ضعيفة ومن النادر أن يدخلوا مكاتبها وعلى والي الولاية وحكومته مد جسور الوصل مع الآخرين بعقد ملتقيات جماهيرية مفتوحة لا تكون قاصرة على التنوير وما أدراك ما التنوير والأحاديث المجترة، ولكن للأخذ والرد وإن مجلس الوزراء الولائي ينبغي ألا يكون قابعاً في ود مدني بل عليه أن يعقد جلساته بين الفينة والأخرى في إحدى المحليات السبع وليس بالضرورة أن يعقد الاجتماع في عاصمة المحلية ويمكن أن يعقد في مدينة ريفية أو قرية كبيرة ويطرح قضايا حيوية وتنقل الجلسة عبر إذاعة وتلفزيون الولاية نقلاً مباشراً. والعلاقة الفاترة بين حكومة الولاية ومواطنيها تحتاج لإقامة جسر تواصل بين الطرفين وأن الوالي هو أستاذ علم نفس ولعله يدرك أن إنسان الجزيرة العظيم في كل العهود يرفض بإباء وشمم أي فوقية واستعلاء عليه ولسان حاله يردد لنا الصدر دون العالمين أو القبر. وإن الحديث الذي يدور على المستوى الاتحادي عن التغيير ما زال فوقياً ومحدوداً والضجة المصاحبة له لم يصحبها إصلاح محسوس ملموس على المستويات القاعدية والوسيطة والإصلاح لا يمكن أن يتم إلا على أساس قاعدة صلبة من أهم مقوماتها فصل الدولة وأجهزة الحكومة عن الحزب وأجهزته ومنظماته فصلاً كاملاً وإعادة النظر في وظيفة المعتمد. ليكون على رأس كل محلية رجل خدمة مدنية متمرس وإداري يكون مديراً تنفيذياً مسؤولاً عن كل الوحدات الإدارية والمصالح الحكومية بمحليته.