لم تقتصر مبادرة «اللقاء الجامع» الذي شمل كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني على رئاسة الجمهورية فحسب، وهي التي أطلقت قبل أسبوعين نداء الدعوة لحضور هذا اللقاء «الجامع» بغرض الخروج بتقديرات وثوابت تعين على الخروج من الأزمة السودانية نحو السلام والاستقرار، ولكن التقطت جامعة الخرطوم هي الأخرى القفاز وقامت بإجراء مشاورات واسعة مع أساتذة الجامعة قادت تلك المشاورات لإطلاق مبادرة «للحوار الوطني» مع الأحزاب والكيانات السياسية التي من شأنها المساهمة في إخراج مبادرة يرضى عنها الوسط السياسي ويلتف حولها. وقدمت الجامعة الدعوة لكل القوى السياسية والأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدني لذلك اللقاء الذي قالت إنه سيعقد الأسبوع الحالي، وكشفت عن موافقة قيادات القوى السياسية لحضور المؤتمر الوطني الذي تنظمه الجامعة في إطار الحراك السياسي الذي ينتظم البلاد. وقال الناطق الرسمي باسم الجامعة الدكتور عبد الملك النعيم إن مدير الجامعة، صديق حياتي سيلتقي كل القوى السياسية والشخصيات الوطنية بغرض استكمال عمليات الحوار الوطني التي بدأها رئيس الجمهورية، مبيناً أن الجامعة قامت بترجمة المشوَرة الشعبية بالنيل الأزرق وإنزالها إلى واقع تطبيق عملي بالمنطقة، وأكد النعيم استعداد الجامعة للقيام بدورها الوطني المعهود والعمل على تمكين القوى السياسية والوطنية من إدارة حوار وطني مثمر يساعد في حل قضايا البلاد، مشيراً إلى أن اللقاء يأتي في إطار التشاور لطرح خطة عمل شاملة تعمل على إنجاز هذه المهمة الوطنية بمشاركة الجميع دون إقصاء لأحد. ويقول الخبير الأكاديمي السر محمد: إن للجامعة تاريخاً من المبادرات المماثلة لعل أشهرها رئاسة مديرها في ذلك الوقت البروفيسور النذير دفع الله ل «مؤتمر المائدة المستديرة» الذي عُقد عقب ثورة أكتوبر بالخرطوم في «61 مارس1965م» لمناقشة وضع الجنوب، وكان قد تعذّر عقد المؤتمر بجوبا لأسباب أمنية، وقد بدأ بها المناقشة الداخلية لشرح المبادرة الجديدة داخلياً في أروقة الجامعة قبل الانطلاق بها خارج أسوار الجامعة للإقناع بها في الساحة السياسية. وحول ما ينبغي أن تفعله وتخرجه الجامعة من خلال هذا اللقاء قال السر نأمل ألا تقتصر جهودها على الشرح وحده وذلك لأن فيها عقول على اطلاع تام بتعقيدات الوضع السياسي في البلاد، وأنه سيكون لمساهمتها في وضع الأطر السليمة العلمية للمبادرة دورًا كبيرًا في إنجاحها، يأتي هذا في وقت فشلت فيه مبادرة الميرغني زعيم الحزب الاتحادي للساحة السياسية والتي نادى من خلالها بضرورة إجماع القوى السياسية على وحدة الكلمة وحدة الوطن وأورد فيها كل الذي ظلت تطالب به قوى الإجماع الوطني، ورغم ذلك فشلت ولم تجد من يستمع لها ويعيرها الاهتمام. ويعزي بعض المتابعين فشل مبادرة الميرغني لأن من أطلقها «الميرغني» وهو بعيد كل البعد عن المعارضة وأحزابها وظل موقفه معارضاً لمواقف قوى الإجماع الوطني، في وقت انتقدت فيه جهات سياسية معارضة هي الأخرى السيد الميرغني ومبادرته، وقالوا إن من الأولى أن يجتهد صاحب المبادرة في لَم صفوف حزبه المتشظية «حكومة ومعارضة» ورغم أنه حشد لها أطراف دولية وإقليمية كمراقبين، إلا أنه لم يشفع لمبادرته أن تجد القبول وسط الفئة المستهدفة من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. ولجهة أن تواجه مبادرة جامعة الخرطوم المصير نفسه وحتى لا تصاب بالفشل وعن محفزاتها ودوافعها التي تجعل منها لقاءً ممكناً وناجحاً، يقول المحلل السياسي الأستاذ عبد الله آدم خاطر ل «الإنتباهة» إن جامعة الخرطوم تمثل الحس والوجدان السوداني في تطوره نحو المستقبل، وكانت مبادراتها تطرح على الساحة طيلة الأزمات السودانية، كما حدث في الاستقلال وأن أول طالب نادى بالاستقلال هو المهندس محمود بشير جماع أحد طلابها آنذاك، وأيضاً في أكتوبر كانت الجامعة رأس الرمح في إشعال فتيل الثورة، ونفس الشيء حصل في الانتفاضة «1985م». ويقول عبد الله إنه ورغم أن الظروف تغيرت الآن كثيرًا وأصبحت الصفة المناسبة لحل أزمات اليوم أخذت الشمول القومي والإقليمي وتم فيها اختيار تقاسم السلطة والثروة لحل المشكلات، ولكن أنا متأكد من أن هذه المنظومة لا يمكن أن تتم إلا بالسلام والديمقراطية والوفاق المطلوب، ولذلك إذا أطلق الرئيس البشير مبادرته للساحة السياسية فليس هناك أفضل من جامعة الخرطوم وغيرها من تطوير هذه الأطروحات لنقاش مثمر والوصول بها لسلام وديمقراطية يكونا الأساس للحل والتفاوض، وتعطي السودان مكانه الطبيعي على المستويين الإقليمي والدولي. وحول ما أن تكون الدعوة قد وجدت القبول المطلوب من القوى السياسية، ورؤى تلك الأحزاب للمبادرة وإمكانية تنفيذ مخرجاتها ومنطلقاتها، يقول السفير محمد آدم إسماعيل من مجلس الأحزاب السياسية إنهم لا يملكون الحق في القول إنابة عن تلك الأحزاب ولكنهم يرحبون بكل شيء يؤدي إلى وفاق وطني جامع ويوحد الصفوف. بيد أن هناك من ينظر للأمر بنظرية المؤامرة، فيرفض بعض المتابعين عدم توهم دور الكثير من المؤسسات بعدم سياسة «التمكين» التي اتبعها نظام المؤتمر الوطني وأبدى هؤلاء الشك والريبة من أن جامعة الخرطوم ربما تكون إدراتها ممليٌ عليها أن تقوم بهذا الدور من قبل الحكومة رغم أنهم يقولون إنها كانت كياناً «مستقلاً» ويشير هؤلاء إلى أن دورها أكاديمي مستقل يستوجب الحياد وعدم أقحامها في متاهات السياسة، وفي الوقت نفسه لم يستبعد هؤلاء أن تكون للقوى السياسية تحفظات حول المنبر بالرغم من ترحيبهم المسبق به، مؤكدين أن تاريخ مبادرات الجامعة تشير لذلك رغم اختلاف الزمان والظروف المحيطة، يأتي هذا في الوقت الذي يقول فيه آخرون بنجاح مبادرات الجامعة، وأنها اشتهرت بمبادراتها الفعالة في حل كثير من القضايا الوطنية، وأنها وضعت بصماتها في خارطة السياسة السودانية بصورة واضحة. ومما هو إيجابي أن الجامعة أعلنت أنها تسعى لتقديم رؤية قومية تحقق المصلحة الوطنية، وقد أعدت البيانات والدراسات التي تعين القوى السياسية لإدارة حوار وطني مثمر يشارك الجميع فيه دون استثناء لأحد. فهل تستطيع الجامعة إسكات الألسن بتهيئة المناخ الملائم لإدارة حوار شفاف يساعد في عملية بناء الثقة بين جميع مكونات المجتمع السوداني، وبالتالي الخروج برؤيا موحدة تعبر عن الوطن والواقع السياسي لرحاب أوسع تضمد به جراحات الماضي وصولاً لغد أجمل، هذا ما تؤكده الأيام المقبلة.